مجموعة الرسائل - الشيخ لطف الله الصافي - ج ١ - الصفحة ١٨٣
وقال لهم: (أما وقد تنازعتم فلا تبيعوا الثمر قبل ظهور صلاحه ونضجه) ومنع بذلك بيع الثمر قبل ظهور صلاحه، حتى لا يتعلل المشتري بما طرأ عليه من تلف ليرجع في الصفقة أو ينقص له البائع من ثمنها الذي تبايعا عليه... ومعنى ذلك بوضوح أن أحكام الرسول (صلى الله عليه وآله) في مثل هذه الأمور الجزئية لم تكن على أساس وحي من الله نزل عليه خاص بهذه الجزئية، بل كانت باجتهاد منه وتقدير للمصلحة على ضوء الظروف التي أمامه) إلى آخره.
أقول: أولا، لماذا لا يكون مثل هذا من النسخ؟ وأن الحكم الأول قد نسخ بالثاني، ونسخ الحكم لا مانع من وقوعه إذا وقع في عصر الرسالة، وإلا فهل يقول أحد بجواز العمل بالحكم الأول إذا اقتضى اجتهاد المجتهد ذلك، ولا يراه من الاجتهاد في مقابل النص؟
وثانيا: لقائل أن يقول: ما كان عليه أهل المدينة من التبايع في الثمار قبل نضجها وبدو صلاحها لم يكن من الأحكام الشرعية الموحى بها إلى النبي (صلى الله عليه وآله)، بل كان المجتمع في هذه القوانين والعادات التي كان ملتزما بها قبل بزوغ شمس النبوة الخاتمة باقيا على حاله، والأحكام إنما نزلت على الرسول (صلى الله عليه وآله) تدريجا وفي المناسبات، فالحكم الشرعي الإلهي الذي لا يتغير هو عدم جواز بيع الثمار قبل بدو صلاحها على التفاصيل المذكورة في الفقه، لا أن الرسول (صلى الله عليه وآله) عدل عن رأيه الأول وظهر له خطؤه، وأن الحكم الثاني كان من رأيه أيضا وهو قابل للتغيير.
فالصحيح أن الحكم الثاني ثابت أبدا لا يتغير صارت الظروف ما صارت وتغيرت الأحوال ما تغيرت، والنص النبوي كالنص القرآني لافرق في ذلك بين المعاملات والعبادات فكلها مصونة عن التغيير.
نعم الأحكام السلطانية التي تصدر تحقيقا لإجراء الأحكام الشرعية، وحفظ النظام، وإقامة العدل، وإيصال حق كل ذي حق إليه، والدفاع عن حوزة الإسلام، ربما تحدد حريات الأفراد في أموالهم وأنفسهم في مقدار من الزمان، وما دامت الضرورة الموجبة للتحديد المذكور باقية، فللحاكم مثلا أن يحكم على مالك الغلات بعرض غلته للبيع عند احتياج الناس إليها دفعا للحرج عن العامة، وحفظا للنفوس المحترمة.
(١٨٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 178 179 180 181 182 183 184 185 186 187 188 ... » »»