مراداته، وإذا كان هو العالم الأول بخصوصه وعمومه وناسخه ومنسوخه، ومحكمه ومتشابهه، ومفاهيم ألفاظه ومعانيها الحقيقية والمجازية، وكان هو العالم - بتعليم الله ووحيه - بموضوعات أحكام الله تعالى الكلية وتفاصيلها، ففي ماذا يجتهد وهو العارف بكل ذلك؟
ولو لم يكن عالما بجميع تفاصيل الأحكام بتعليم الله ووحيه يبقى الدين ناقصا فاقدا للمصادر الكافية لاستنباط جميع الأحكام منها.
اللهم إلا أن يقال: إنه يجتهد عند اشتباه الموضوع بغيره مع أنه مبين المفهوم عنده، ولكن هذا غير الاجتهاد المصطلح الذي يقوم به الفقهاء والمجتهدون، وهو خارج عما نحن فيه، فالناس كلهم يجتهدون في تشخيص موضوع الحكم عند اشتباهه بغيره، مثل اشتباه مايع بأنه دم أو ماء، مع أن مفهوم الدم الذي هو موضوع الحرمة مبين لا سترة عليه، فتارة يقعون في الخطأ وأخرى يصيبون الواقع، ولكنه ليس من اجتهاد الفقيه المصطلح بشئ، مضافا إلى أن شأن النبي (صلى الله عليه وآله) أنبل وأجل من ذلك، فهو مصون عن ذلك الخطأ وغيره من الأخطاء، بل ربما يحط مثل هذا الخطأ مع كونه في الموضوع وتطبيقه الخارجي من كرامته (صلى الله عليه وآله)، وشخصيته الرسولية (صلى الله عليه وآله) أكثر من خطئه في تبليغ أصل بعض الأحكام، فهو مصون عنه، وهو المؤيد من عند الله تعالى المحفوظ من الخطأ والزلل.
وبالجملة، المجتهد هو الذي يفحص عن أدلة الأحكام في الكتاب والسنة ويفتي بما ظفر به من الأدلة بعد النظر في عامها وخاصها و.... وتارة لا يظفر بالدليل الخاص مع وجوده فيفتي بعموم العام، أو يظفر بسبب آخر. أما النبي (صلى الله عليه وآله) فهو العالم بالأحكام سواء كانت جزئية أم كلية، فإطلاق المجتهد على النبي دون شأنه الجليل، وكذا أهل بيته الذين هم عدل القرآن، فهم معصومون عن الخطأ لأنهم والقرآن لن يفترقا، ولأن التمسك بهم أمان من الضلال، وهم سفينة النجاة، كما وردت بذلك صحاح الفريقين.
نعم لا بأس بأن يقال إن النبي (صلى الله عليه وآله) بعد ما نزلت عليه الأحكام الكلية كان يبين جزئياتها وتفاصيل ما أوحى الله إليه، إلا أنه في هذا أيضا مصون عن الخطأ والاشتباه،