مجموعة الرسائل - الشيخ لطف الله الصافي - ج ١ - الصفحة ١٨٤
والفرق بين حكم الحاكم وحكم الشارع أن الأول غيري موقت شرع جوازه من الشارع حفظا لنظام الدين ومصالح المسلمين، والثاني حكم ثابت نفسي، نسبته إلى الأحكام الحكومية كنسبة الأصل إلى الفرع والهدف إلى الوسيلة، والأول لا يستند بنفسه إلى الله تعالى بل إلى الحاكم نبيا كان أم غيره، نعم جواز حكمه وجواز حكومته ووجوب إطاعته من الأحكام الشرعية الثابتة التي لا تقبل التغيير.
ولكن مع ذلك فإن للأحكام الحكومية الصادرة عن النبي (صلى الله عليه وآله) قداسة ليست لغيرها، فلا يجوز تغييرها لأن النبي (صلى الله عليه وآله) لا يحكم إلا بوحي من الله تعالى على ما نص به القرآن الكريم (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى) وأكد لزوم التأسي به في قوله تعالى (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر) فالنبي (صلى الله عليه وآله) في صيانة الله وحفظه عن الخطأ في أحكامه وجميع أفعاله وأقواله، سواء كان في الشرعيات أو الإخبار بالملاحم وحالات الأمم الآتية والماضية، وأحوال الملائكة، وكيفيات عالم الغيب مثل الجنة والنار، أو بيان المعارف والأخلاقيات، أو الأحكام الحكومية.
لكن القوم حيث رأوا أن بعض الصحابة قد تجرأ على التصرف في الأحكام الإلهية والرد على النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) فأنكر عليه صلح الحديبية، ولم يقبل منه تشريع متعة الحج وحرمها، وحرم متعة النساء بعد ارتحال الرسول (صلى الله عليه وآله) إلى الرفيق الأعلى، ومنع رسول الله (صلى الله عليه وآله) من كتابة وصيته، وقال كلمته الخبيثة التي لا ننقلها تأدبا وحذرا من التعدي على ساحة صاحب الخلق العظيم، الرسول الرؤف الرحيم، صلوات الله عليه وعلى آله، وغير ذلك مما فعل أو قال هو أو غيره - لما رأوا ذلك - استهانوا بمخالفة النصوص الشرعية، والسنة النبوية، ونسبوا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) إلى الاشتباه والخطأ!
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
ثم إن الأمثلة التي ذكرها لإثبات مرامه كلها قابلة للمناقشة لا يثبت بها مدعاه.
فالمنع عن التقاط ضالة الإبل وإجازة التقاطها أيضا ليس من قبيل تغيير الحكم، بل يمكن الجمع بينهما بأن مورد المنع عن الالتقاط غير مورد الجواز، فإذا لم يخش على الإبل
(١٨٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 179 180 181 182 183 184 185 186 187 188 189 ... » »»