والظاهر من كلامه نفي كلية حصانة جميع الأحكام الشرعية عن التغيير، والقول بتغييرها في الجملة على نحو الموجبة الجزئية، ولكن العقل والنقل والضرورة وخاتمية الدين تدل على عدم جواز وقوع أي تغيير في الأحكام الشرعية، فلا يجمع بينها وبين الفتاوي بنفي الحصانة عنها، والحكم بجواز تغييرها في الجملة.
وأما الفتوى التي هي نتيجة اجتهاد المجتهد ونظره في الأدلة من العام والخاص، والمطلق والمقيد، والمجمل والمبين، والأصول اللفظية، والأصول العملية وغيرها، واستنباط حكم الشرع منها فهي قابلة للتغيير، وليس من لوازمها الثبات، لعدم حصانة المجتهد من الاشتباه والخطأ في اجتهاده، فربما يفتي المجتهد مثلا بإطلاق أو عموم، أو بالبراءة من التكليف لعدم عثوره على مقيد للإطلاق أو مخصص للعموم، أو دليل على التكليف مع الفحص المتعارف، ثم يطلع على الدليل المقيد للإطلاق، أو المخصص للعموم، أو الدال على التكليف مما يستظهر به خطؤه وبطلان فتواه، فيرجع لا محالة عن فتواه الأولى ويتغير رأيه لامن جهة أن الحكم الذي أفتى به تغير، بل لظهور أن الحكم لم يكن على ما أفتى به.
فالرأي الإجتهادي حيث أنه يحصل من الظن معتبر الحجية بحكم العقل والشرع، يجب اتباعه عمليا ما دام لم يكشف خلافه، أما لو انكشف خلافه فيؤخذ بالظن المعتبر الذي قام على خلافه وليس هذا من تغيير حكم الله في شئ، فحكم الله تعالى واحد إلا أن اجتهاد المجتهد ورأيه يتغير إذا ظهر له خطؤه وعدم إصابته حكم الله تعالى.
وبعبارة أخرى: إن الطريق الذي يقوم عند المجتهد للوصول إلى الواقع قد يؤدي إليه وقد لا يؤدي إليه على مذهب المخطئة القائلين بأن حكم الله الواقعي للجميع من الجاهل به والعالم سواء، فللمصيب أجران وللمخطئ أجر واحد.
أما على قول المصوبة القائلين بتعدد أحكام الله تعالى بتعدد ظنون المجتهدين وآرائهم تبعا لما يقوم عندهم من الطرق، فلابد من القول بتحمل الواقعة الواحدة حكمين متخالفين بسبب تخالف ظنون المجتهدين أو تغير ظن المجتهد الواحد، وهذا أيضا غير تغير حكم الله تعالى، بل هو نظير انتفاء موضوع حكم وتحقق موضوع حكم آخر.