مجموعة الرسائل - الشيخ لطف الله الصافي - ج ١ - الصفحة ١٩١
والنظر في الأدلة من الكتاب والسنة، والإفتاء بما يؤدي إليه نظره وإن خالف جميع المذاهب، كما يسلبون بذلك العامي حريته في التقليد، فلا يجوزون له تقليد مجتهد إذا خالف رأيه في المسألة رأي فقهاء هذه المذاهب، وإن كان موافقا لرأي كثير من الصحابة والتابعين، والفقهاء الذين كانوا قبل هذه المذاهب الأربعة!
لقد جعلوا هذه الأمة بذلك شيعا مختلفين متفرقين، وأحدثوا بهذه البدعة فتن الطائفتين الشافعية والحنابلة والأحناف والمالكية، التي تسببت في حدوث حروب دامية بينهم ليس هنا مجال ذكر بعضها.
وليت شعري ما مرادهم بأن فلانا مجتهد حنفي أو شافعي، أو أو....؟ فإن كان مرادهم أنه مجتهد في فقه فلان وأنه يعرف آراءه وفتاواه من النظر في كلماته فلا يخلو إما أن يقدر هو بنفسه على استنباط الأحكام الشرعية من الكتاب والسنة فهو مجتهد والحجة له، ولمن يأخذ بفتواه اجتهاده الشخصي لا اجتهاد الشافعي مثلا، فهو مجتهد مثل الشافعي، مستقل بآرائه وفتاواه، وإن خالف فيها سائر الفقهاء.
وإن كان لا يتمكن من الاجتهاد فهو عامي يجب عليه تقليد المجتهد الجامع لشرائط التقليد والإفتاء كائنا من كان، أو عليه الإحتياط في الفروع.
لقد خسرت الأمة الإسلامية بسبب قول إخواننا السنيين بسد باب الاجتهاد آراء علمية دقيقة، وفتاوى هامة مفيدة كان بإمكانهم أن يستنبطوها من الكتاب والسنة بحرية تفكيرهم لولا هذه المقولة التي جعلوها دينا يدان به، بينما نرى مذهب الإمامية شيعة أهل البيت (عليهم السلام) ما زال ببركة فتح باب الاجتهاد والبحث الحر في الكتاب والسنة ينمو فقهه ويزداد قوة وعمقا وسعة، وما زال يظهر منهم في كل عصر فقهاء كبار ينتقدون آراء الفقهاء الماضين، ويصلون بالتعمق في الكتاب والسنة إلى ما لم يصل إليه المتقدمون.
والذي يسهل الخطب أنه بفضل جهود جمع من أكابر فقهاء إخواننا السنة، وإدراكهم عمق الخسارة التي تسبب فيها سد باب الاجتهاد، قد تزلزل هذا البناء الذي
(١٩١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 186 187 188 189 190 191 192 193 194 195 196 ... » »»