الأصل في إمكان تغيير بعض الأحكام الخاصة بالمعاملات حسب تغيير عللها وظروفها والمصلحة للناس فيها، على أن يكون التغيير على أساس القواعد العامة الشرعية مثل:
لا ضرر ولا ضرار، ودرأ المفاسد مقدم على جلب المصالح) إلى آخر ما قال.
أقول: أولا، إذا لا كلام في أنه إذا لم يأت من الشارع الحكيم نص قرآني (ولا نبوي وإن لم يذكره واقتصر على القرآني منه) في مورد ولم تشمله النصوص العامة بعمومها أو إطلاقها فمباح بحكم الشرع أيضا للمكلفين فعله وتركه، وهذا، أي حكم الشرع بالإباحة فيما لا نص فيه حكم ثابت لا يقبل التغيير فليس لأحد تحريم تركه أو إيجاب فعله.
وثانيا، لا يوافق هذا الخبر وما هو بمضمونه لقوله تعالى: (ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) وقوله تعالى: (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى) وقوله عز من قائل: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر). لأن مفاد الخبر على ما بنيتم عليه أن الأمة أعلم من الرسول (صلى الله عليه وآله) بشؤون دنياهم، ولذا يجوز لهم مخالفة أوامره المربوطة بأمور الدنيا من المعاملات وغيرها مما لم يرد فيه النص القرآني، وعليه فلا يجب اتباع شئ من أوامر النبي ونواهيه المربوطة بالسياسات والمعاملات وغيرها من الأنظمة المقررة الثابتة بلسانه أو بسيرته في الأحوال الشخصية والاجتماعية والمالية وغيرها، فيكون النبي (صلى الله عليه وآله) كسائر الناس في أقواله وأفعاله وسيرته، فلا وجوب لاتباعه ولا حسن للتأسي به! وهذا أمر لا أظن أحدا من المسلمين فضلا عن علمائهم وفقهائهم الراسخين في العلوم الإسلامية يلتزم به.
وما نفهمه نحن من الخبر - بعد الغض عن اضطراب متنه ومخالفته لما ثبت بالكتاب والسنة - أن المراد منه أن ليس من شأن الرسول (صلى الله عليه وآله) بمقتضى رسالته ولا زعامته وقيادته السياسية وإدارته أمور الناس أن يتدخل، في شؤونهم الفردية التي يعمل كل أحد فيها ما يريد ويختار وتختلف فيه الأنظار، فهذا يرى هذه المهنة وافية لمعاشه والآخر يرى غيرها كذلك، وهذا يرى سقي الزرع في المواعيد المعينة وذاك يراه في غيرها، وهذا يرى تلقيح النخل مفيدا والآخر يرى أن يبقيها على حالها، هذا يرى أن يبيع مثلا سكناه للاتجار بثمنه، والآخر يرى غير ذلك، وهذا الطبيب يرى علاج المرض