الإمام يودع أهله ثانية:
ودع الإمام عياله ثانية، وأمر بالصبر، وطلب منهم أن يستعدوا للبلاء، وقال: اعلموا أن الله تعالى حاميكم وحافظكم، وسينجيكم من شر الأعداء، ويجعل عاقبة أمركم إلى خير، ويعوضكم عن هذه البلية بأنواع النعم والكرامة فلا تشكوا، ولا تقولوا بألسنتكم ما ينقص من أقداركم ".
عمر بن سعد يصدر أمرا عسكريا جديدا ودعاء للإمام:
قال عمر بن سعد: ويحكم اهجموا عليه ما دام مشغولا بنفسه وحرمه، والله إن فرغ لكم لا تمتاز ميمنتكم عن ميسرتكم، فحملوا عليه يرمونه بالسهام حتى تخالفت السهام بين أطناب الخيم، فحمل عليهم الإمام كالليث الغضبان فلا يلحق أحدا إلا بعجه بسيفه، فقتله، والسهام تأخذ من كل ناحية وهو يتقيها بصدره ونحره، ثم رجع إلى مركزه وأكثر من قول: " لا حول ولا قوة إلا بالله العظيم " وطلب في هذه الحال ماء، فقال شمر بن ذي الجوشن: لا تذوقه حتى ترد النار!!
وناداه رجل: يا حسين ألا ترى الفرات كأنه بطون الحيات، فلا تشرب منه حتى تموت عطشا، فقال الحسين: " اللهم أمته عطشا، فكان ذلك الرجل يطلب الماء فيؤتى به حتى تخرج من فيه وما زال كذلك إلى أن مات عطشا " (1).
ورماه أبو الحتوف الجعفي بسهم في جبهته، فنزعه وسالت الدماء على وجهه، فقال الإمام: " اللهم إنك ترى ما أنا فيه من عباد هؤلاء العصاة، اللهم احصهم عددا، واقتلهم بددا، ولا تذر على وجه الأرض منهم أحدا ولا تغفر لهم أبدا ".
وصاح الحسين بأعلى صوته: " يا أمة السوء بئسما خلفتم محمدا في عترته، أما إنكم لا تقتلون رجلا بعدي فتهابون قتله بل يهون عليكم ذلك عند قتلكم إياي، وأيم الله إني لأرجو أن يكرمني الله بالشهادة ثم ينتقم لي منكم من