أن الإمام الحسين على حق، وأنه الممثل الشرعي لهذا الحق، ويعرفون والده الإمام علي، ومكانته العالية، وعدله، وصبره، ورحمته بالعباد، والتزامه الصارم بالشرعية الإلهية، وهم يعرفون أيضا بني أمية، وتاريخهم الدموي الأسود، وظلمهم الذي جاوز المدى، وبشاعة حكمهم، ومعاداتهم الصارمة للشرعية الإلهية، وجهلهم بها، وتجاهلهم لها ويبدو أن الإمام لم يقطع الرجاء بنصرة أهل الكوفة له حتى بعد أن وصل إلى كربلاء، فهل يعقل أن يبايعه ثمانية عشر ألفا، ولا يفي له منهم بهذه البيعة مائة!!! كان بإمكان الإمام أن يرجع من الطريق قبل أن يلقاه الحر ومعه طليعة جيش الخلافة، لكنه رأى أنه ملزم أخلاقيا ودينيا بالقدوم إلى الكوفة من أجل الذين كتبوا له، وأرسلوا له الرسل، ومن أجل الثمانية عشر ألفا الذين بايعوا ابن عمه مسلم بن عقيل!! فهل يعقل أن يتخلى عنه أهل الكوفة بهذه السهولة وأن يتركوه وحيدا!! ثم ما الذي أجبرهم على كتابة كتب الدعوة، وإرسال الرسل!!! تلك أمور لا تصدق بالفعل!! وهل قضية الكتب والرسل مؤامرة من معاوية وابنه كما أسلفنا ووثقنا!! فإذا كانت الكتب والرسل أجزاء من مؤامرة وفصول فيها، فما هو موضوع بيعة الثمانية عشر ألفا الذين شهد مسلم بن عقيل بأنهم قد بايعوه!! وهل يعقل أن تكون فصلا من المؤامرة!! وأنها نوع من الإختراق، أو تغلغل مخابرات دولة الخلافة!!.
وما يعنينا هو أن الإمام الحسين قد ركز تركيزا خاصا على إقامة الحجة على أهل الكوفة من خلال رسائله التي أشرنا إلى بعضها وسنشير إلى بعض آخر منها، ومن خلال تصريحاته، ومن خلال خطبه التي انتهت كلها إلى أسماع أهل الكوفة وإلى أسماع جيش الخلافة.
تقريع الإمام لأهل الكوفة:
عبأ عمر بن سعد جيش دولة الخلافة لمحاربة الإمام الحسين، ورتبهم في مراتبهم، وأقام السرايا في مواضعها، وعبأ الإمام الحسين أصحابه في الميمنة والميسرة فأحاطوا بالحسين من كل جانب حتى جعلوه في مثل الحلقة، فخرج الحسين من أصحابه حتى أتى الناس فقال لهم: " ويلكم ما عليكم أن تنصتوا إلي، فتسمعوا قولي، وإنما أدعوكم إلى سبيل الرشاد، فمن أطاعني كان من الراشدين،