وروى الدينوري أن الإمام الحسين قال: " أبلغه عني أن أهل هذا المصر كتبوا إلي يذكرون أن لا إمام لهم، ويسألونني القدوم عليهم، فوثقت بهم، فغدروا بي بعد أن بايعني منهم ثمانية عشر ألف رجل، فلما دنوت علمت غرور ما كتبوا به إلي أردت الانصراف إلى حيث أقبلت، فمنعني الحر بن يزيد حتى جعجع بي في هذا المكان، ولي بك قرابة قريبة، ورحم ماسة فأطلقني حتى انصرف " (1).
وأحاط رسول ابن سعد بن أبي وقاص بكل كلمة قالها الإمام الحسين، وتولى ابن سعد نقل كل ما قاله الإمام الحسين إلى عبيد الله بن زياد، فأجابه ابن زياد، أعرض على الحسين أن يبايع ليزيد بن معاوية هو وجميع أصحابه، فإن فعل ذلك رأينا فيه رأينا، فأرسل عمر بن سعد كتاب ابن زياد إلى الحسين، فقال الإمام الحسين للرسول: " لا أجيب ابن زياد بذلك، فهل هو إلا الموت فمرحبا به " (2) ومن الطبيعي أن يسمع الجيش المتمركز في كربلاء بكل ما قاله الإمام، وكل ما قاله عمر بن سعد، وكل ما قاله عبيد الله بن زياد، فالجيش مشدود كالوتر، ويترقب الأمر ببدء القتال ثانية بثانية.
وأرسل الإمام إلى عمر بن سعد: " إني أريد أن أكلمك فالقني الليلة بين عسكري وعسكرك "، والتقى الاثنان، فقال له الإمام الحسين: " ويلك يا ابن سعد أما تتقي الله الذي إليه معادك، أتقاتلني، وإنا ابن من علمت، ذر هؤلاء القوم وكن معي فإنه أقرب لك إلى الله تعالى، فقال ابن سعد: أخاف أن تهدم داري! فقال الحسين: أنا أبنيها لك، فقال ابن سعد: أخاف أن تؤخذ ضيعتي. فقال الإمام الحسين: أنا أخلف عليك خيرا منها من مالي بالحجاز، فقال ابن سعد: أنا لي عيال وأخاف عليهم، ثم سكت، فانصرف عنه الإمام الحسين وهو يقول: مالك، ذبحك الله على فراشك، ولا غفر لك يوم حشرك، فوالله إني لا أرجو أن لا تأكل