إذا بدأت المعركة، وأمرهم الإمام الحسين بالقتال قاتلوا بشجاعة تفوق حد التصور والوصف حتى قتلوا عن بكرة أبيهم بين يديه دفاعا عنه وعن أهل بيته.
ونحن لا نعلم الكثير عن السيرة الشخصية لكل واحد منهم، لكن العقل والنقل والوجدان يشير إلى أنهم نخبة، وصفوة، وقلة مؤمنة، لا يدانيها بالعظمة والإيمان إلا شهداء بدر، وقد وصفهم أحد قادة جيش عمر بن سعد بن أبي وقاص في معرض نهيه عن قتال المبارزة قائلا لجنوده: " ويلكم يا حمقاء مهلا أتدرون من تقاتلون؟ إنما تقاتلون فرسان المصر، وأهل البصائر، وقوما مستميتين " (1).
فهذه شهادة من عدوهم، فهو يشهد أن النخبة التي وقفت مع الإمام الحسين هم فرسان البلاد، وكانت الفروسية أعظم مفاخر ذلك العصر، ويشهد أيضا بأن النخبة التي قاتلت مع الحسين هم أهل البصائر في البلاد، وأهل البصائر:
مصطلح يطلق على من بلغوا قمة الوعي والثقافة الإنسانية، أي أنهم الحكمة، ويشهد عدوهم بأنهم مستميتون أي يقاتلون قتال من يريد الموت، ولا يقاتل مثل هذا القتال إلا الصفوة التي امتحن الله قلوب أفرادها للإيمان والمحسنون الذين يعبدون الله كأنهم يرونه، ويشتاقون للموت طمعا بالجنة ورضوان الله. إنهم نماذج بشرية فريدة من نوعها، عاشوا حياتهم بشرف وعز وتركوها بقمة العز والشرف.
ولولاهم لكلل جبين الأمة الإسلامية أمام الأمم بالخزي والعار، ولقالت الأمم:
أية أمة تلك الأمة التي يقتل ابن نبيها وآله الذين يذكرونهم في صلاتهم ولم ينصره أحد من أفرادها!!!
القلة التي تعاطفت مع الإمام الحسين ولكنها لم تقف معه!!:
بينا أن القلة أو الأقلية من الأمة الإسلامية التي أيدت الإمام الحسين فئتان:
إحداهما وقفت وقفة عز مع الحسين، فقاتلت معه ودونه حتى قتلت عن بكرة أبيها، دفاعا عنه وعن آل محمد وأهل بيت النبوة، وثانيهما تعاطفت معه، وتمنت نصره، ولكنه قعدت عن نصرته، ومع هذا فقد تأثرت تأثرا بالغا لما تناهت إلى