أنباء الأقلية التي وقفت مع الإمام الحسين:
إن دولة الخلافة كانت تملك السيطرة الكاملة على وسائل الإعلام، وعلى كتابة التاريخ وتوثيق ظاهراته وهذه الدولة كانت جماع مصالح الأكثرية، أو أن تلك الأكثرية كانت تتصور ذلك، أو أن تلك الأكثرية كانت المنتفع الرئيسي من دولة الخلافة، فبيد الخليفة وأركان دولته مفاتيح مال الدولة وجاهها ونفوذها، والولاء للخليفة ودولته أو التظاهر بهذا الولاء أو التطرف فيه هو الطريق الأوحد للحصول على نصيب من مال الدولة وجاهها ونفوذها، لذلك ارتبطت مصالح الأكثرية مع مصلحة الدولة فصارت دولة نفعية، وصارت الأكثرية نفعية أيضا، وعمق الإحساس بالمصلحة المشتركة والنفعية أن الأكثرية المسلمة كانت هي الأكثرية المشركة التي قاومت النبي بكل وسائل المقاومة، وحاربته بكل فنون الحرب طوال 23 عاما حتى أحاط بها النبي فاضطرت للاستسلام، وأعلنت إسلامها مكرهة بالوقت الذي كانت تخفي فيه كامل قناعات الشرك!!! فصارت الأكثرية المشركة بالأمس هي الأكثرية المسلمة اليوم!! لقد تظاهر معسكر الشرك كله بالإسلام أو أعلن إسلامه، وبإسلامهم اختلت تركيبة المجتمع الإسلامي كله، وضاعت بهذا البحر البشري الأقلية المؤمنة التي وقفت مع الرسول وقفة رجل واحد وقامت على أكتافها الدولة والأمة معا. وأصبحت الأقلية المؤمنة كشعرة بيضاء في جلد ثور أسود على حد تعبير معاوية بن أبي سفيان. لقد كان واضحا أن أي هزة في المجتمع الإسلامي ستقلب موازين القوى فيه رأسا على عقب، وكان رسول الله هو الثقل الذي يحول دون رجفان الأرض من تحت أقدام الذين آمنوا على حد تعبير البتول، فاطمة الزهراء، وكان واضحا بأن الأكثرية التي كانت مشركة بالأمس وأصبحت اليوم مسلمة قد أعادت ترتيب أوراقها، وقررت أن تستفيد من الدين الجديد، وأن تجعله طريق ملك، وأسلوبا للمحافظة على هذا الملك. واستطاعت تلك الأكثرية أن تستخفي نفرا من الذين كانوا محسوبين على النبي، وعلى القلة المؤمنة التي أخلصت له، وكان واضحا أن تلك الأكثرية والنفر الذين استخفتهم يقفون على أهبة الاستعداد وينتظرون بفارغ الصبر موت النبي