حياة الإمام الرضا (ع) - الشيخ باقر شريف القرشي - ج ١ - الصفحة ١٠٤
سل يا عمران، وعليك بالنصفة، وإياك والخطل (1) والجور.. ".
وأطرق الصابئ بوجهه إلى الأرض، وقال بنبرات تقطر أدبا وإجلالا للامام:
" والله يا سيدي ما أريد الا أن تثبت لي شيئا أتعلق به فلا أجوزه.. " لقد أعرب الصابئ عن نواياه الحسنة وانه يريد الحقيقة، والوصول إلى الواقع، ولا صلة له بغير ذلك، فقال (عليه السلام): " سل عما بدا لك... ".
وكان المجلس مكتظا بالعلماء والقادة، وفي طليعتهم المأمون فانضم بعضهم إلى بعض، وانقطعوا عن الكلام ليسمعوا أسئلة الصابئ وجواب الامام عنها، وتقدم الصابئ بأسئلته.
س: 1 - اخبرني عن الكائن الأول، وعما خلق.. " أما المسؤول عنه في هذه الكلمات فهو الشئ الأول والمادة الأولى التي خلق الله تعالى الأشياء منها، وليس المسؤول عنه وجود الله المبدع العظيم فإنه من الأمور الواضحة التي لا يشك فيها من يملك وعيه وإرادته، فإن جميع ما في الكون تدلل على وجود خالقها فإنه من المستحيل أن يوجد المعلول من دون علته... ولنستمع إلى جواب الإمام (عليه السلام) عن هذه المسألة.
ج 1 - أما الواحد فلم يزل واحدا كائنا، بلا حدود، ولا أعراض، ولا يزال كذلك، ثم خلق خلقا مبتدعا مختلفا بأعراض وحدود مختلفة، لا في شئ أقامه، ولا في شئ حده، ولا على شئ حذاه، ومثله له، فجعل الخلق من بعد ذلك صفوة، وغير صفوة، واختلافا وائتلافا، وألوانا وذوقا وطعما لا لحاجة كانت منه إلى ذلك، ولا لفضل منزلة لم يبلغها إلا به ولا رأي لنفسه فيما خلق زيادة ولا نقصانا.. " وحكى هذا المقطع من جواب الإمام (عليه السلام) ما يلي.
أولا: ان الله تعالى واحد لا شئ معه، وهو مجرد من الحدود والاعراض التي هي من صفات الممكن، فهو كائن واحد، ما زال ولا يزال، وليست وحدته عددية أو نوعية أو جنسية، وانما بمعنى عدم ارتباطه بأي شئ مادي أو غير مادي، فهو بمرتبة من الكمال لا يشابهه أي شئ من الممكنات التي نسبتها إليه نسبة الصانع إلى المصنوع، فتبارك الله.
ثانيا: إن النظرة البدوية في الأشياء أن كل صورة لا بد لها من مادة تقوم وتحل

(1) الخطل: المنطق الفاسد.
(١٠٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 99 100 101 102 103 104 105 106 107 108 109 ... » »»
الفهرست