أخلاق أهل البيت (ع) - السيد محمد مهدي الصدر - الصفحة ٢٠١
ونوره بالحكمة، وذلله بذكر الموت، وقرره بالفناء، وبصره فجائع الدنيا، وحذره صولة الدهر، وفحش تقلب الليالي والأيام، واعرض عليه أخبار الماضين، وذكره بما أصاب من كان قبلك من الأولين، وسر في ديارهم وآثارهم، فانظر فيما فعلوا، وعما انتقلوا، وأين حلوا ونزلوا، فإنك تجدهم قد انتقلوا عن الأحبة، وحلوا ديار الغربة، وكأنك عن قليل قد صرت كأحدهم، فأصلح مثواك، ولا تبع آخرتك بدنياك (1).
ومن روائع الحكم التشبيه التالي:
فقد شبه الحكماء الانسان وانهماكه في الدنيا، واغتراره بها، وغفلته عما وراءها، كشخص مدلى في بئر، ووسطه مشدود بحبل، وفي أسفل ذلك البئر ثعبان عظيم، متوجه إليه، منتظر لسقوطه، فاتح فاه لالتقامه، وفي أعلى ذلك البئر جرذان أبيض وأسود، لا يزالان يقرضان ذلك الحبل، شيئا فشيئا، ولا يفتران عن قرضه آنا ما، وذلك الشخص مع رؤيته ذلك الثعبان، ومشاهدته لانقراض الحبل آنا فآنا، قد أقبل على قليل عسل، قد لطخ به جدار ذلك البئر وامتزج بترابه، واجتمع عليه زنابير كثيرة، وهو مشغول بلطعه، منهمك فيه، متلذذ بما أصاب منه، مخاصم لتلك الزنابير التي عليه، قد صرف جميع باله إلى ذلك، فهو غير ملتفت إلى ما فوقه وما تحته.
فالبئر هو الدنيا، والحبل هو العمر، والثعبان الفاتح فاه هو الموت،

(1) نهج البلاغة في وصيته عليه السلام لابنه الحسن.
(٢٠١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 196 197 198 199 200 201 202 203 204 205 206 ... » »»