أخلاق أهل البيت (ع) - السيد محمد مهدي الصدر - الصفحة ١٩٦
وقال الإمام موسى بن جعفر عليهما السلام: يا هشام، إن العقلاء زهدوا في الدنيا، ورغبوا في الآخرة، لأنهم علموا أن الدنيا طالبة مطلوبة، والآخرة طالبة ومطلوبة: فمن طلب الآخرة طلبته الدنيا، حتى يستوفي منها رزقه، ومن طلب الدنيا طلبته الآخرة، فيأتيه الموت، فيفسد عليه دنياه وآخرته (1).
القانون الخالد:
تواطأ الناس بأسرهم، على ذم الدنيا وشكايتها، لمعاناة آلامها، ففرحها مكدر بالحزن، وراحتها منغصة بالعناء، لا تصفو لأحد، ولا يهنأ بها انسان. وبالرغم من تواطئهم على ذلك تباينوا في سلوكهم وموقفهم من الحياة:
فمنهم من تعشقها، وهام بحبها، وتكالب على حطامها، ما صيرهم في حالة مزرية، من التنافس والتناحر.
ومنهم من زهد فيها، وانزوى هاربا من مباهجها ومتعها إلى الأديرة والصوامع، ما جعلهم فلولا مبعثرة على هامش الحياة.
وجاء الاسلام، والناس بين هذين الاتجاهين المتعاكسين، فاستطاع بحكمته البالغة، واصلاحه الشامل، أن يشرع نظاما خالدا، يؤلف بين الدين والدنيا، ويجمع بين مآرب الحياة وأشواق الروح، بأسلوب يلائم

(١٩٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 191 192 193 194 195 196 197 198 199 200 201 ... » »»