والجرذان هما الليل والنهار القارضان للأعمال، والعسل المختلط بالتراب هو لذات الدنيا الممزوجة بالكدر والآثام، والزنابير هم أبناء الدنيا المتزاحمون عليها.
ومن العبر البالغة في تصرم الحياة وإن طالت: ما روي أن نوحا عليه السلام عاش ألفين وخمسمائة عام، ثم إن ملك الموت جاءه وهو في الشمس، فقال: السلام عليك. فرد عليه نوح عليه السلام وقال له: ما حاجتك يا ملك الموت؟ قال: جئت لأقبض روحك. فقال له:
تدعني أتحول من الشمس إلى الظل. فقال له: نعم. فتحول نوح عليه السلام ثم قال: يا ملك الموت فكأن ما مر بي في الدنيا مثل تحولي من الشمس إلى الظل!! فامض لما أمرت به. فقبض روحه عليه السلام.
ومن عبر الطغاة والجبارين ما قاله المنصور لما حضرته الوفاة بعنا الآخرة بنومة.
وردد هارون الرشيد وهو ينتقي أكفانه عند الموت: ما أغنى عني ماليه، هلك عني سلطانيه (الحاقة: 28 - 29).
وقيل لعبد الملك بن مروان في مرضه: كيف تجدك يا أبا مروان؟ قال: أجدني كما قال الله تعالى: ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم (الأنعام: 94).
ورأى زيتون الحكيم رجلا على شاطئ البحر مهموما محزونا، يتلهف على الدنيا، فقال له: يا فتى ما تلهفك على الدنيا! لو كنت في غاية الغنى، وأنت راكب لجة البحر، وقد انكسرت بك السفينة،