النصائح الكافية - محمد بن عقيل - الصفحة ٢٠٤
مغلقا لأنه كرم الله وجهه كان ملجما بلجام الورع عن جميع القول إلا ما كان فيه لله رضى وممنوع اليدين عن كل بطش لا ما ارتضاه الكتاب والسنة ومنقطع عن كل تدبير إلا ما أذن الله فيه فكان مجال التدبير عليه ضيقا ومن هذا التضييق وقعت أمور كثيرة ينسب إليه القاصرون التقصير فيها كعدم إقراره معاوية على الولاية في أول خلافته ثم يعز له بعد ذلك لما يعلمه في تقريره من الظلم والجور وكعدم إرضاء طلحة والزبير بتوليتهما المصرين كما طلبا حتى فأرقاه وكمخاشنته في الله لبعض أصحابه كأخيه عقيل وشاعره النجاشي ومقصلة بن هبيرة حتى فارقوه إلى معاوية كما نسبوا الفاروق رضي الله عنه إلى قصور الرأي في تنفيره جبلة بن الأيهم والتشديد عليه في طلب القصاص بلطمة لطمها رجلا وطئ إزاره حتى ارتد بسبب ذلك جبلة عن الإسلام وارتد بارتداده ألوف من أتباعه وفي أمره بحرق مكتبة الإسكندرية وإحراقه قصر سعد بن أبي وقاص بالكوفة ومشاطرته كثيرا من عماله أموالهم وأمثال هذا ولا غروان من اقتصر على الكتاب والسنة فقد حجر على نفسه الواسع ومنع نفسه الطويل العريض وما لا يتناهى من المكائد ووجوه الفلج والظفر.
وكان معاوية وأصحابه غير متقيدين بدين ولا ملتزمين في الباطن لشريعة بل كانوا يستعملون المكر والخبث والغدر والكذب والتغرير والتأويل مما يستخرجون به وجوه مصالحهم سواء كان جائرا في الشرع أو محظورا وسواء أكان فيه سخط الله تعالى أم رضاه ومن المعلوم البديهي أن الصدق والكذب معا أوسع مجالا من الصدق وحده وأن الحلال والحرام معا أكثر طرقا من الحلال وحده فاتسع بذلك لمعاوية وأصحابه مجال التدبير من التفريق بين الناس بالكذب وإلغاء الكتب المزورة في العسكر بالسعايات ودس السموم في الأطمعة وبذل الرشوة يمن مال الله وأمثال ذلك من المكائد الأثيمة وزخارف
(٢٠٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 199 200 201 202 203 204 205 206 207 208 209 ... » »»