النصائح الكافية - محمد بن عقيل - الصفحة ١٥٣
بكل ظنة وتهمة حتى أن الرجل ليقال له زنديق أو كافر أحب إليه من أن يقال له شيعة علي وحتى صار الرجل الذي يذكر بالخير ولعله يكون ورعا صدوقا يحدث بأحاديث عظيمة عجيبة من تفضيل بعض من قد سلف من الولاة ولم يخلق الله تعالى شيئا منها ولا كانت ولا وقعت وهو يحسب أنها حق لكثرة من قد رواها ممن لا يعرف بكذب ولا بقلة ورع انتهى (1).
وقال الشعبي ما لقينا من علي بن أبي طالب إن أحببناه قتلنا وإن أبغضناه هلكنا وكان الإمام أبو حنيفة يفتي سرا بوجوب نصرة زيد بن علي بن

(1) أقول لقد صدق رسول الله صلى الله عليه وآله فيما قال: فإن جماعة قد ادعوا ضعف الحديث الذي جاء في حق علي عليه السلام أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت الباب وأفرط بعضهم فأدعي وضعه وفسر بعضهم قوله صلى الله عليه وآله وسلم فيه وعلي بابها فقال أي مرتفع والحديث المذكور قد ورد بطرق كثيرة فقد أخرجه الترمذي والحاكم في المستدرك وصححه والطبراني وابن مردويه وأبو نعيم والخطيب والعقيلي وابن عدي وابن حيان وغيرهم ثم جاؤوا في مقابلته أيضا بحديث آخر منكر إسنادا ومتنا كما قاله ابن عساكر والحديث هو ما أخرجه ابن عساكر في تاريخه وغيره قال أنبأنا أبو الفرج غيث بن علي الخطيب قال: حدثني أبو الفرج الأسفرائيني قال: كان أبو سعد إسماعيل بن المثنى الأسترآبادي يعظ بدمشق فقام إليه رجل فقال أيها الشيخ ما تقول في قول النبي صلى الله عليه وآله أنا مدينة العلم وعلي بابها قال: فأطرق لحظة ثم رفع رأسه وقال نعم لا يعرف هذا الحديث على التمام إلا من كان صدرا في الإسلام إنما قال النبي صلى الله عليه وآله أنا مدينة العلم وأبو بكر أساسها وعمر حيطانها وعثمان سقفها وعلي بابها قال: فاستحسن الحاضرون ذلك وهو يردده ثم سألوه أن يخرج لهم إسناده فاغتم ولم يخرجه لهم انتهى (قلت) لعلك قد علمت ما ذكر هو في هذا الحديث من أنه موضوع أو ضعيف ولكني أقول فيه من حيث المعنى إنكاره من وجوه لم أر من تعرض لذكرها وهي (أولا) إنه لا يستجاد من سيد الحكماء وأمير الفصحاء أن يمثل في كلامه بسقف المدينة إذ لم توجد في الدنيا مدينة مسقوفة حتى يكون الحكيم ممثلا بها ولم نر ذلك في كلام أحد من العرب اللهم إلا أن يكون لخصوص البيوت (ثانيا) إنه يقتضي تقديم أبي بكر على النبي صلى الله عليه وآله وسلم حيث جعله أساسها والأساس مقدم على البنيان لأنه أصله وأقدم منه ولأنه لولاه لما قام البناء (ثالثا) إنه لو صح الحديث لاقتضى تمثيل عمر وعثمان رضي الله عنهما بالسقف والحيطان غاية القدح فيهما لأن السقف والحيطان والسور كما في رواية أخرى إنما هي حواجز قوية تمنع فيض نور العلم المديني إلى الخارج فكأنهما الكاتمين للعلم والمانعين عنه من أراد الوصول إليه وحاشاهما من ذلك ومن المضحك هنا قول بعض المؤلفين إن كلا من الأساس والحيطان والسقف أعلى من الباب لأن ذلك قول من يقوده التعصب إلى إرسال الكلام على عواهنه من غير إمعان نظر في المعاني (انتهى جامعه).
(١٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 148 149 150 151 152 153 154 155 156 157 158 ... » »»