النصائح الكافية - محمد بن عقيل - الصفحة ١٥٠
وبدلوا قولا غير الذي قيل لهم وقالوا سيدنا وترضوا عنه حيث ذكر كما يترضى عن الصالحين وما مثلهم في ذلك إلا كمثل رجل ذي سلطان وجبروت رآه بعض أهل الصلاح خارجا من مأخور الخمار متمائلا تفوح من فيه وثيابه روائح الراح وكان مع ذلك الصالح تلامذة خاف عليهم فتنة ذلك الجبار وأعوانه إن خاضوا في أمر ذلك الجبار وبينوا سيرته للعامة فسكت ذلك الصالح وأمرهم بالسكوت عن ذكر المخازي فما لبث أولئك التلامذة أن قالوا لم يأمرنا الأستاذ بالسكوت عن ذلك إلا لما يعلمه من حال ذلك السلطان أنه من أهل الدين والفضل لأنه إنما دخل المأخور لإزالة المنكرات وتكسير آنية الخمر ووعظ أهل الحانة وزجرهم ولذلك تضمخت ثيابه بالخمر وفاحت رائحتها منه فهو من الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر والقائمين بالقسط والعدل.
(ما أحمق) هؤلاء القوم يسارعون للذب عن هذا الطاغية فيتأولون له التأويلات البعيدة الفاسدة الضعيفة ويعمدون إلى سيئاته القبيحة المواضحة الفاضحة المتواترة فينكرون منها ما أمكن إنكاره ويبدلون الجانب الآخر بتلك التأويلات حسنات يمدحونه عليها ويطرونه بها ويفتاتون على الله تعالى في إثبات إثابته عليها ويظنون حينئذ أنهم رتقوا بذلك فتقا في دين الله وأنهم قد جمعوا الأمة على الهدى وصانوا العامة عن الخوض فيما لا يجوز بزعمهم من ذكر مساوي ذلك الطاغية وأعوانه أنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون تصرفوا كيف شاؤوا وشوهوا وجوه المعاني تحاشيا عن ما يحط من مقدار ذلك الجبار في أعين المؤمنين كأنه لم يبلغهم ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله فيما أخرجه الطبراني قال: حتى متى ترعون عن ذكر الفاسق اهتكوه يحذره الناس. وأورده السيد محمود الآلوسي في الأجوبة العراقية بعد أن صححه بلفظ اذكروا الفاسق بما فيه يحذره الناس ولم
(١٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 145 146 147 148 149 150 151 152 153 154 155 ... » »»