على اليسرى وقال: أواه أواه، والله ما أصبح ولا أمسى الليلة عند عرابة شيء، ولا تركت له الحقوق مالا ولكن خذ هذين العبدين. فقال الرجل: والله ما كنت بالذي يسلبك عبدين، فقال: إن أخذتهما وإلا فهما حران لوجه الله تعالى، فإن شئت فاعتق، فأخذ الرجل العبدين ومضى، ثم اجتمعوا وذكروا قصة كل واحد، فحكموا لعرابة لأنه أعطى على جهد (1).
والجود صفة حسنة، وصاحبها محمود بين الناس ومحبوب عند الله بشرط قصد القربة لا قصد الشهرة، ولو قصد الشهرة لافتتن به الناس أيضا. وقيل: إن الجود والسخاء والإيثار بمعنى واحد، وقيل: من أعطى البعض وأمسك البعض فهو صاحب سخاء، ومن بذل الأكثر فهو صاحب جود، ومن آثر غيره بالحاضر وبقي هو في مقاساة الضر فهو صاحب إيثار، وصاحب الإيثار قليل نادر، ولقلما تجد من يؤثر على نفسه طيلة عمره، فلربما آثر مرة واحدة في حياته لا أكثر.
روي عن حذيفة العدوي أنه قال: انطلقت يوم اليرموك أطلب ابن عم لي في القتلى ومعي شيء من الماء، وأنا أقول: إن كان به رمق سقيته، فإذا أنا به بين القتلى فقلت له: أسقيك؟ فأشار إلي أن نعم; فإذا برجل يقول: آه، فأشار إلي ابن عمي أن انطلق إليه واسقه، فإذا هو هشام بن العاص، فقلت: أسقيك؟ فأشار إلي أن نعم، فسمع آخر يقول: آه، فأشار إلي أن انطلق إليه فجئته فإذا هو قد مات، فرجعت إلى هشام فإذا هو قد مات، فرجعت إلى ابن عمي فإذا هو قد مات (2).
أجل; هذا هو الإيثار.