حتى ضرب به المثل فقيل: «أجود من كعب بن مامة».
روي عن الهيثم بن عدي أنه قال: تمارى ثلاثة في الأجواد، فقال رجل:
أسخى الناس في عصرنا هذا عبد الله بن جعفر، فقال الآخر: أسخى الناس قيس بن عبادة، فقال الآخر: بل أسخى الناس اليوم عرابة الأوسي، فتنازعوا بفناء الكعبة، فقال لهم رجل: لقد أفرطتم في الكلام فليمض كل واحد منكم إلى صاحبه يسأله حتى ننظر بما يعود فنحكم على العيان.
فقام صاحب ابن جعفر فوافاه وقد وضع رجله في ركاب راحلته يريد ضيعة له، فقال الرجل: يا بن عم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ابن سبيل ومنقطع به. قال: فأخرج رجله وقال: ضع رجلك واستو على الناقة وخذ ما في الحقيبة، وكان فيها مطارف خز وأربعة آلاف دينار.
ومضى صاحب قيس فوجده نائما، فقالت له جارية لقيس: ما حاجتك؟
فقال: ابن سبيل ومنقطع به، فقالت له الجارية: حاجتك أهون من إيقاظه، هذا كيس فيه سبعمائة دينار ما في دار قيس اليوم غيرها، وامض إلى معاطن الإبل فخذ راحلة من رواحله وما يصلحها وعبدا وامض لشأنك.
قيل: إن قيسا لما انتبه أخبرته الجارية بما صنعت فأعتقها ولو لم تعلم أن ذلك يسره ما جسرت أن تفعله، فخلق خدم الرجل مقتبس من خلقه، قال بعض الشعراء:
وإذا ما اختبرت ود صديق * فاختبر وده من الغلمان ومضى صاحب عرابة فوجده قد خرج من منزله يريد الصلاة وهو أعمى، فقال: يا عرابة ابن سبيل ومنقطع به، وكان معه عبدان يقودانه، فصفق بيده اليمنى