قالت حليمة: كنا نبقي اليوم واليومين لا نقتات فيه بشيء، وكنا قد شاركنا المواشي في مراعيها، فكنت ذات ليلة بين النوم واليقظة وإذا قد أتاني آت ورماني في نهر ماء، أبيض من اللبن، وأحلى من العسل، وقال لي: إشربي فشربت، ثم ردني إلى مكاني، وقال لي: يا حليمة عليك ببطحاء مكة فإن لك بها رزقا واسعا وسوف تسعدين ببركة مولود ولد بها، وضرب بيده على صدري وقال: أدر الله لك اللبن وجنبك المحق والمحن.
قالت حليمة: فانتبهت وأنا لا أطيق حمل ثديي من كثرة اللبن، واكتسيت حسنا وجمالا، وأصبحت بحالة غير الحالة الاولى، ففزعت إلي نساء قومي وقلن:
يا حليمة قد عجبنا من حالك فما الذي حل بك؟ ومن أين لك هذا الحسن والجمال الذي ظهر فيك؟ قالت: فكتمت أمري عليهن، فتركني وهن أحسد الناس لي.
ثم بعد يومين هتف بي هاتف: يا نساء بني سعد! نزلت عليكم البركات وزالت عنكم الترحات برضاعة مولود ولد بمكة فضله الواحد الأحد، فهنيئا لمن له قصد...
وكانت حليمة من أطهر نساء قومها وأعفهن، ولذلك ارتضاها الله تعالى لترضع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكانت النساء إذا دخلن على آمنة تسألهن عن أسمائهن، فإذا لم تسمع بذكر حليمة تقول: ولدي يتيم لا أب له ولا مال فيذهبن عنها... فلما عرفت حليمة قالت: هذه التي أمرت أن أدفع إليها ولدي، ورضي زوجها وقال:
إن جده مشكور بالإحسان، فنظرت حليمة إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو ملفوف في ثوب من صوف أبيض يفوح منه رائحة المسك والعنبر، فوقعت في قلبها محبة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وفرحت وسرت به سرورا عظيما، وكان نائما فأشفقت عليه أن توقظه