والروايات من قبل الرواة، حتى صار تمييزها بالكلية أمرا غير مقدور لأحد في هذه الزمان، واستحال فهم بعض الأخبار وجمعها، سواء كانت في الأصول والعقائد أو في الفروع والقواعد إذا أردنا استيعاب ذلك بعد الإحاطة التامة بكل الأخبار المأثورة. ولا أقصد في ذلك عمل الفقيه ورأيه، وإنما أردت من هذا التوضيح والبيان الإشارة إلى حال المحدث وأفعاله ووظيفته الشخصية وتكليفه اللازم وغيرها من الآداب التي هجرت في هذا الزمان، بل كأنها لم تكن شيئا مذكورا، وإن كان المحدث في لسان الشرع هو العالم الفقيه، إذ يعد العارف بالحديث في الفقهاء.
فعلينا أن نبذل الوسع ولا نغفل عن مقتضيات الرواية ونؤكد الهمة، ليتنور هذا العصر بوجود أمثال هؤلاء الكاملين والراشدين، ولا تندرس آثار الشريعة المطهرة، ويهتدي أهل الإيمان إلى الصراط المستقيم والدين القويم بشيوع الأخبار الصحيحة ونشر الأحاديث المعتبرة عن الأئمة البررة (عليهم السلام)، ويعالجوا آلامهم الخفية في هذا المشفى العظيم، ويجلو القلوب المكدرة ويضيئوا الأفئدة المظلمة لكي ينالوا الدرجات العليا ويفوزوا بالحظ الأوفى.
وإن هذا الحقير، وإن كان جاهلا - عالما بجهله - إلا أنني أعرف زملائي وأقراني المحدثين المعاصرين، حتى لكأننا درسنا معا في مدرسة واحدة وشربنا معا من مشرب واحد.
إن سوء الزمان وتقلب القلوب واختلاط الأفكار الفاسدة والآراء الكاسدة والغزو الفكري الخارجي والترهات والشبهات الداخلية ساهمت بأجمعها في رفع الوضع القديم ونشر الأسلوب الجديد «والناس أشبه بزمانهم من آبائهم».
فياله من زمان فاسد وأهله مفسدون حيث ابتعدوا عن هذين المصدرين