وجبرئيل الأمين (عليه السلام) هو خلاصة سكان الملكوت الأعلى، وجسمه اللطيف غير الأجسام الترابية الظلمانية، وهو رشحة من رشحات الذات المقدسة النبوية، غير أنه كان إذا توجه إلى هذا العالم لبس كسوة تناسب هذا العالم، وكان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يراه بهذا الكسوة، فإذا أبلغ الوحي ورجع إلى مقره الأصلي خلع عنه تلك الكسوة وعاد إلى ما كان عليه.
والآن نسأل: من أين كان عرق جبرئيل؟ هل كان من بدنه الأصلي أم من بدنه المستعار؟
من المعلوم أن التعرق من لوازم هذا العالم وهذا البدن العنصري، فلا يبعد أن يقال: أن عرق جبرئيل كان من بدنه الملكي مع بقاء كون بدنه غير الأبدان العنصرية الظلمانية.
وإن قيل: إن عرقه كان من بدنه الأصلي، فقد يقال: أن ذاك البدن لا يعرق، وكل عاقل يعلم أن إدراك حقيقة جبرئيل لا تسعها عقولنا، فكيف نتصور عرقه؟
وكذلك القول في زغبه وجناحه، حيث أن عالم البدن الأصلي لجبرئيل لا زغب فيه ولا جناح.
ومن هنا يعلم أن نور فاطمة كان في صورة تفاحة الجنة حقيقة، وإنما تصورت بهذه الصورة لتناسب مذاق روح روح العالمين، وتكون مادة لتلك النطفة الزكية.
والتعرق من مقتضيات الحركة والحرارة، والمحرك هنا المحبة، حيث ضمها جبرئيل كما تضم الروح العزيزة، وألصق تلك العطية السماوية والهدية العلية بصدره حتى امتزج بها عرقه وزغبه اللطيف، وناولها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فوضعها على عينه