وطرق أحاديث الحجازيين في الرد والقبول، وكان يرجع إليه أهل الشام ومصر والكوفة مدة من الزمان.
قيل عنه: إنه كان لا يجلس للحديث إلا متوضأ على سكينة ووقار، وكان يرى لمجلس الحديث النبوي شأنا خاصا وتكريما وتعظيما خاصين، توفي في المدينة سنة 179 ودفن في البقيع، وكان أبو حنيفة من تلاميذه.
وقس على ذلك جماعة أخرى من المحدثين وطبقات التابعين، والتابعين عندهم ممن اهتم اهتماما خاصا واجتهد - ما استطاع - في حفظ الحديث وضبطه وروايته ونشره، وقد ألفوا في ذلك الكتب، إلا أن هذا النوع من الإهتمام والحفظ والنشر لا يجدي اطمئنانا ولا يزيد اعتبارا، وذلك لما هو المعروف من أن «حديث تدريه خير من ألف ترويه» والفهم الطولي سريع الزوال وسريع الإضمحلال وبعيد عن الإعتبار والوثوق، وعلى حسب التجربة فإن غالب أقوال هؤلاء الأشخاص الكثيري الحفظ والرواية منسوبة إلى مجاهيل ومراسيل، بل أكاذيب وأباطيل مشوبة بالأغراض الفاسدة والخيالات الكاسدة.
فمثلا كتبوا عن أحمد بن حنبل أنه كان من ذرية «ذو الثدية» وكان شديد العداوة لأمير المؤمنين، وكان حائكا، وكان لا يرى جواز لعن يزيد، وغالب ما يرويه من أخبار يرويها عن الخوارج والنواصب، وهو القائل: «لا يكون الرجل سنيا حتى يبغض عليا ولو قليلا»، وهو القائل: إن لله سبحانه أعضاء وجوارح، وهو الذي يرى وجوب الترحم على معاوية، ويرى أن مخالفة ذلك بدعة وضلالة، ويرى جواز المسح على العمامة، وجواز مسح يد الغير، وهو الذي أمر المعتصم بضربه وحبسه، وأمر بتفريق الحنابلة، ومنع من قراءة أساطيره والنظر في كتبه،