وإن نزلت في المخلفين عن غزوة تبوك، وفي صدقة التطوع التي هي من تمام توبتهم، لكنها عامة لغيرهم وفي الزكاة المفروضة. ولهذا قال مانعوا الزكاة: لا ندفعها إلا لمن صلواته سكن لنا، وقد كان صلى الله عليه وسلم يأخذ الزكاة من أربابها ويفرقها عيل مستحقيها كما هو معلوم معروف.
" أخرابا ": هو اسمه صلى الله عليه وسلم في الإنجيل، ومعناه آخر الأنبياء، روى ابن أبي شيبة في المصنف عن مصعب بن سعد، عن كعب رحمه الله تعالى قال: أول من يأخذ حلقة باب الجنة فيفتح له محمد صلى الله عليه وسلم، ثم قرأ علينا آية من التوراة أخرابا قدما أبا الأولون الآخرون " الأخشى لله ": أخذه الشيخ رحمه الله تعالى من حديث أبي داود: " والله إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله ".
قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام رحمه الله تعالى: وفيه إشكال لأن الخوف والخشية حالة تنشأ عن ملاحظة شدة النقمة الممكن وقوعها بالخائف، وقد دل الدليل القاطع على أنه صلى الله عليه وسلم غير معذب. وقال تعالى: (يوم لا يخزي الله النبي) فكيف يتصور منه الخوف، فكيف أشد الخوف؟.
قال: والجواب أن النسيان جائز عليه صلى الله عليه وسلم فإذا حصل النسيان عن موجبات نفي العقاب حدث له الخوف، لا يقال إن إخباره صلى الله عليه وسلم بشدة الخوف وعظم الخشية عظم بالنوع لا بكثرة العدد، أي إذا صدر منه الخوف ولو في زمن فرد كان أشد من خوف غيره.
والخشية: الخوف وقيل أعظمه والهيبة أعظم منها. وقال سعيد بن جبير رحمه الله تعالى: هي أن تخشاه حتى يحول بينك وبين المعصية، وعلى قدر علمه صلى الله عليه وسلم بالله تعالى كان خوفه. كما سيأتي في باب: " خوفه صلى الله عليه وسلم ".
وقال الأستاذ أبو علي الدقاق رحمه الله تعالى: الرهبة على مراتب: أولها: الخوف وهي من شرط الإيمان. قال الله تعالى: (وخافوني إن كنتم مؤمنين) ثانيها: الخشية وهي من شرط العلم، قال الله تعالى: (إنما يخشى الله من عباده العلماء) ثالثها الهيبة، وهي من شرط المعرفة. وقيل هي حركة القلب من جلال الرب.
وأما وصفه تعالى بها في قوله تعالى: (إنما يخشى الله من عباده العلماء) () برفع الاسم الكريم ونصب العلماء عكس القراءة المشهور كما قرأ به أبو حياة وعمر بن العزيز وأبو حنيفة فهو على سبيل المجاز، والمراد غايتها التي هي التعظيم والإجلال فقط على حد قوله:
أهابك إجلالا وما بك قدرة * علي ولكن ملء عين حبيبها " آخرماخ ": عزاه " ع " لصحف شيث صلى الله عليه وسلم قال: ومعناه صحيح الإسلام.