الثاني:
قال السهيلي - رحمه الله تعالى -: التماس الأجر على الرضاع لم يكن محمودا عند أكثر العرب، حتى جرى المثل: " تجوع الحرة فلا تأكل بثديها ".
وتعقبه في الزهر بأن المثل غير مسوق لذلك. قال المفضل الضبي - رحمه الله تعالى - في كتاب " الفاخر ": تجوع الحرة ولا تأكل بثديها أي ولا تهتك نفسها وتبدي منها مالا ينبغي أن تبدي. وذكر مثله محمد بن سعد العراقي - رحمه الله تعالى - في " نزهة الأنفس " في الأمثال.
قلت: قال الميداني (1) تبعا لأبي عبيد - رحمهما الله تعالى -: أي لا تكون ظئرا وإن آذاها الجوع.
ثم قال السهيلي: وكان عند بعضهم لا بأس به فقد كانت حليمة وسيطة في بني سعد كريمة من كرائم قومها بدليل اختيار الله تعالى إياها لإرضاع نبيه صلى الله عليه وسلم كما اختار له أشرف البطون والأصلاب، والرضاع كالنسب. قال: ويحتمل أن تكون حليمة ونساء قومها طلبن الرضاع اضطرارا للأزمة التي أصابتهم والسنة الشهباء التي اقتحمتهم (2). والله تعالى أعلم.
الثالث: قول آمنة: " فلم أر حملا كان أخف علي منه " يفهم منه أنها حملت بغيره صلى الله عليه وسلم. وقد ورد ما هو أصرح منه. قال ابن سعد أخبرنا عمرو بن عاصم أخبرنا همام عن إسحاق بن عبد الله، قال: قالت أم النبي صلى الله عليه وسلم: قد حملت الأولاد فما حملت أخف منه. قال ابن سعد - رحمه الله تعالى: قال محمد بن عمر يعني الواقدي - وهذا مما لا يعرف عندنا ولا عند أهل العلم، لم تلد آمنة ولا عبد الله غير النبي صلى الله عليه وسلم.
قال الواقدي: وحدثني محمد وعبد الله بن أخي الزهري، عن الزهري - رحمه الله تعالى - قال: قالت آمنة: لقد علقت به فما وجدت له مشقة حين وضعته.
وأخرجه عن الواقدي من وجه آخر مطولا وفيه: ما شعرت به ولا وجدت - له ثقلة كما تجد النساء.
قال الحافظ: إن كان إسحاق بن عبد الله هو ابن أبي طلحة فهو مرسل رجاله رجال