فإني أجمع بين ألفاظ رواته إذا اتفقوا... إلى آخر ما أبان به عن منهجه - رحمه الله - ودراسة سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ضرورة حضارية وإيمانية.
فالناس من لدن خلقهم الله - تبارك وتعالى - فريقان فريق يتعشق الحق ويموت دونه وينافح عنه، وفريق يلج في الباطل، ويتأكل به ويعيش له، ذلك ما قررته قصة ابني آدم (قابيل وهابيل) ورفض قول الحق على وضوحه وجلاله وارتضائه أن يبوء بإثمه وإثم أخيه وذلك يقتضينا كمسلمين دراسة السيرة لفقه حق الله وبيان حال من اتبعه من الدنيا واستمسك به وديدنه تجاه الباطل في سيرة النبيين والمرسلين ذلك الوجه الحق في التاريخ والسير، لذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يقص لأمته سيرة النبيين فقال تعالى: (واتل عليهم نبأ نوح) (يونس 71) وقال: (واتل عليهم نبأ إبراهيم) (الشعراء 66) وقوله: (واذكر عبدنا داود ذا الأيد إنه أواب) (ص 17) وقوله: (واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار) (ص 45).
وبين الذكر الحكيم هدف القصص فقال (لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شئ وهدى ورحمة لقوم يؤمنون) (يوسف 111) فقد أشار القرآن الكريم إلى أن قصص النبيين هدى ورحمة فاستوجب ذلك تفصيل سير الأنبياء، للاهتداء بها وذلك أمر واضح من توزع قصص النبيين على شتى سور الذكر الحكيم، في كل سورة جزء من قصة نبي من المرسلين، حسبما تقتضيه طبيعتها، وحسبما تتوفر عليه من معالجة قضايا تختص به دون غيرها. حتى أوشك القرآن الكريم أن يكون كله قصصا. تلك هي ضرورة دراسته الدراسة التي ينبه إليها الذكر الحكيم.
أما ترى ما صنع الله بفرعون، وما علل به سبحانه لصنيعه (فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلقك آية وإن كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون) (يونس 92).
ولا أدل من كون دراسة السير ضرورة حضارية من توفر الغرب على درس تاريخ الأمم لبيان المزايا والمساوئ.
وتمتاز السيرة النبوية على غيرها من السير بأنها حظيت بالنقد الممحص لكل ما أضيف إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وأنه لم يكتب عن هوى، ولا عن حقد وسوء قصد إلا ما ندر من كتابات المستشرقين وأعقابهم، وقد نبه صلى الله عليه وآله وسلم لذلك فقال " لا تطردوني كما أطرت النصارى المسيح ابن مريم ولكن قولوا عبد الله ورسوله " فكان في ذلك كما وصفه ربه سبحانه (وإنك لعلى خلق عظيم.