وروى عبد الرزاق في المصنف وعبد بن حميد وابن المنذر عن عطاء بن أبي رباح - رحمه الله تعالى - قال: لما أهبط الله تعالى آدم كان رجلاه في الأرض ورأسه في السماء يسمع دعاء أهل السماء فأنس بهم، فهابت الملائكة منه حتى شكت إلى الله - تعالى - في دعائها وفي صلاتها فأخفضه الله إلى الأرض، فلما فقد ما كان يسمع منهم استوحش حتى شكا إلى الله عز وجل - في دعائه وفي صلاته فتوجه إلى مكة فكان موضع قدميه قرية وخطوه مفازة حتى انتهى إلى مكة، وأنزل الله - تعالى - عليه ياقوتة من ياقوت الجنة فكان على موضع البيت الآن فلم يزل يطاف به حتى أنزل الله - تعالى - الطوفان فرفعت تلك الياقوتة.
وروى عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر من طريق معمر عن قتادة وابن المنذر والأزرقي عن وهب بن منبه - رحمه الله تعالى - قال: وضع الله تعالى البيت مع آدم، أهبط الله تعالى آدم إلى الأرض وكان مهبطه بأرض الهند وكان رأسه في السماء ورجلاه في الأرض، وكانت الملائكة تهابه فنقص إلى ستين ذراعا، فحزن آدم إذ فقد أصوات الملائكة وتسبيحهم.
فشكا ذلك إلى الله تعالى فقال الله تعالى: يا آدم إني قد أهبطت بيتا يطاف به كما يطاف حول عرشي ويصلي عنده كما يصلى عند عرشي فاخرج إليه. فخرج إليه آدم ومد له في خطوه وقبض له ما كان فيها من مخاض أو بحر، فجعله خطوة فلم يضع قدميه في شئ من الأرض إلا صار عمرانا وبركة حتى انتهى إلى مكة، وكان قبل ذلك قد اشتد بكاؤه وحزنه لما كان من عظم المصيبة حتى إن كانت الملائكة لتبكي لبكائه وتحزن لحزنه، فعزاه الله - تعالى - بخيمة من خيام الجنة وضعها الله - تعالى - له بمكة في موضع الكعبة قبل أن تكون الكعبة، وتلك الخيمة ياقوتة حمراء من ياقوت الجنة فيها ثلاث قناديل من ذهب فيها نور يلتهب من نور الجنة، ونزل معها يومئذ الركن وهو ياقوتة بيضاء من ربض الجنة وكان كرسيا لآدم صلى الله عليه وسلم يجلس عليه، فلما كان آدم صلى الله عليه وسلم بمكة حرسه الله - تعالى - له وحرس له تلك الخيمة بالملائكة. كانوا يحرسونها ويدرأون عنها سكان الأرض، وساكنوها يومئذ الجن والشياطين ولا ينبغي لهم أن ينظروا إلى شئ من الجنة، والأرض يومئذ طاهرة طيبة نقية لم تنجس ولم يسفك فيها الدم ولم تعمل فيها الخطايا فلذلك جعلها الله تعالى مسكن الملائكة وجعلهم فيها كما كانوا في السماء يسبحون الله - تعالى - بالليل والنهار لا يفترون، وكان وقوفهم على أعلام الحرم صفا واحدا مستديرين بالحرم كله، الحل من خلفهم والحرم كله من أمامهم، ولا يجوزهم جن ولا شيطان من أجل مقام الملائكة حرم الحرم حتى اليوم. وكان آدم صلى الله عليه وسلم إذا أراد