نبي يبعث قد أطل زمانه، فكرهت أن أخبرك بذلك، فآمن عليك أن يخرج بعض هؤلاء الكذابين فتطيعه، وقد جعلتهما في هذه الكوة التي ترى وطينت عليهما فلا تتعرض لهما ولا تنظر فيهما حينك هذا، فإن الله إن يرد بك خيرا ويخرج ذلك النبي تبعته.
ثم إنه مات فدفناه، فلم يكن شئ أحب إلي من أن أنظر في الورقتين، ففتحت الكوة ثم استخرجت الورقتين فإذا فيهما: محمد رسول الله خاتم الأنبياء، لا نبي بعده، مولده بمكة ومهاجره بطيبة، ولا فظ ولا غليظ ولا سخاب في الأسواق، ويجزي بالسيئة الحسنة، ويعفو ويصفح أمته الحمادون الذين يحمدون الله على كل حال، تذلل ألسنتهم بالتكبير، وينصر نبيهم على كل من ناوأه، ويغسلون فروجهم ويأتزرون على أوساطهم، أناجيلهم في صدورهم، وتراحمهم بينهم كتراحم بني الأم، وهم أول من يدخل الجنة يوم القيامة من الأمم.
فمكثت ما شاء الله ثم بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم قد خرج بمكة، فأخذت أستثبت ثم بلغني أنه توفي وأن خليفته قد قام مقامه، وجاءتنا جنوده، فقلت: لا أدخل في الدين حتى أنظر سيرتهم وأعمالهم، فلم أزل أدافع ذلك وأؤخره لأستثبت حتى قدم علينا عمال عمر بن الخطاب، فلما رأيتهم رأيت وفاءهم بالعهد وما صنع الله لهم على الأعداء، فعلمت أنهم هم الذين كنت أنتظر.
فوالله إني ذات ليلة فوق سطحي فإذا رجل من المسلمين يتلو قول الله تعالى: (يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها) الآية.
فلما سمعت هذه الآية خشيت أن لا أصبح حتى يحول وجهي في قفاي، فما كان شئ أحب إلي من الصباح فغدوت في المسلمين.
ناوأه: أي ناهضه وعاداه.
وروى ابن سعد عن سهل مولى عثمة إنه كان نصرانيا وكان يتيما في حجر أمه وعمه، وأنه كان يقرأ الإنجيل قال: فأخذت مصحفا لعمي فقرأته حتى مر بي ورقة فأنكرت كثافتها حين مرت بي، ومسستها بيدي ونظرت فإذا فضول الورقة ملصقة بغرا قال ففتشتها فوجدت فيها نعت محمد صلى الله عليه وسلم: أنه لا قصير ولا طويل أبيض ذو ضفيرتين بين كتفيه خاتم النبوة، يكثر الاحتباء (1)، ولا يقبل الصدقة، ويركب الحمار والبعير ويحلب الشاة، ويلبس قميصا مرفوعا، ومن فعل ذلك برئ من الكبر وهو من ذرية إسماعيل، اسمه أحمد.
قال سهل: فلما انتهيت إلى هذا من ذكر محمد صلى الله عليه وسلم جاء عمي فلما رأى الورقة