حتى تغيرت حالهم وفشت فيهم المعاصي، وقتلوا أنبياءهم وذلك قوله تعالى جل ذكره:
(وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين) إلى قوله: ﴿فإذا جاء وعد أوليهما﴾ (١) يعنى بخت نصر وجنوده أقبلوا فنزلوا بساحتهم، فلما رأوا ذلك، فزعوا إلى ربهم وتابوا وثابروا (٢) على الخير، واخذوا على أيدي سفهائهم، وأنكروا المنكر، و أظهروا المعروف، فرد الله لهم الكره على بخت نصر، وانصرفوا بعد ما فتحوا المدينة، وكان سبب انصرافهم ان سهما وقع في جبين فرس بخت نصر، فجمح به حتى أخرجه من باب المدينة.
ثم إن بني إسرائيل تغيروا، فما برحوا حتى كر عليهم، وذلك قوله تعالى: ﴿فإذا جاء وعد الآخرة ليسوؤا وجوهكم﴾ (3) فأخبرهم إرميا عليه السلام وان بخت نصر يتهيأ للمسير إليكم وقد غضب الله عليكم، وان الله تعالى جلت عظمته يستتيبكم لصلاح آبائكم ويقول: هل وجدتم أحدا عصاني فسعد بمعصيتي أم هل علمتم أحدا أطاعني فشقي بطاعتي؟ واما أحباركم ورهبانكم فاتخذوا عبادي خولا يحكمون فيهم بغير كتابي حتى أنسوهم ذكرى، و اما ملوككم وأمراؤكم فبطروا نعمتي وغرتهم الدنيا واما قراؤكم وفقهاؤكم فهم منقادون للملوك، يبايعونهم على البدع، ويطيعونهم في معصيتي واما الأولاد فيخوضون مع الخائضين وفي كل ذلك ألبسهم العافية، فلأبدلنهم بالعز ذلا وبالأمن خوفا، ان دعوني لم أجبهم وان بكوا لم ارحمهم.
فلما بلغهم ذلك نبيهم فكذبوه وقالوا: لقد أعظمت الفرية على الله تزعم أن الله يعطل (معطل) مساجده من عبادته فقيدوه وسجنوه فاقبل بخت نصر وحاصرهم سبعه أشهر حتى اكلوا خلاهم (4) وشربوا أبوالهم، ثم بطش بهم بطش الجبارين بالقتل، والصلب، و الاحراق، وجذع الأنوف، ونزع الألسن والأنياب، ووقف النساء.