فقيل له: ان لهم صاحبا كان يحذرهم بما أصابهم، فاتهموه وسجنوه، فامر بخت نصر فاخرج من السجن، فقال له: أكنت تحذر هؤلاء؟ قال: نعم. قال: وإني أعلمت ذلك؟ (1) قال:
أرسلني الله به إليهم قال: فكذبوك وضربوك؟ قال: نعم. قال: لبئس القوم قوم ضربوا نبيهم، وكذبوا رسالة ربهم، فهل لك ان تلحق بي فأكرمك؟ وان أحببت ان تقيم في بلادك امنتك، قال إرميا عليه السلام: إني لم أزل في أمان الله منذ كنت لم اخرج منه، ولو أن بني إسرائيل لم يخرجوا من أمانه لم يخافوك.
فأقام إرميا مكانه بأرض إيليا، وهي حينئذ خراب قد هدم بعضها، فلما سمع به من بقى من بني إسرائيل اجتمعوا إليه، وقالوا: عرفنا انك نبينا فانصح لنا، فأمرهم ان يقيموا معهم، فقالوا: ننطلق إلى ملك مصر نستجير، فقال إرميا عليه السلام ان ذمه الله أوفى الذمم، فانطلقوا إلى مصر وتركوا إرميا، فقال لهم الملك: أنتم في ذمتي، فسمع ذلك بخت نصر، فأرسل إلى ملك مصر ابعث بهم إلى مصفدين والا آذنتك بالحرب. فلما سمع إرميا بذلك أدركته الرحمة لهم، فبادر إليهم لينقذهم فورد عليهم، وقال: ان الله تعالى أوحى إلى إني مظهر بخت نصر على هذا الملك، وآية ذلك أنه تعالى أراني موضع سرير بخت نصر الذي يجلس عليه بعد ما يظفر بمصر، ثم عمد فدفن أربعة أحجار في ناحية من الأرض، فسار إليهم بخت نصر وظفر بهم وأسرهم، فلما أراد ان يقسم الفئ ويقتل الأسارى ويعتق منهم كان فيهم إرميا.
فقال له بخت نصر: أراك مع أعدائي بعد ما عرضتك من الكرامة، فقال له إرميا عليه السلام: إني جئتهم مخوفا اخبرهم خبرك، وقد وضعت لهم علامه تحت سريرك هذا وأنت بأرض بابل، ارفع سريرك فان تحت كل قائمه من قوائمه حجرا دفنته بيدي وهم ينظرون، فلما رفع بخت نصر سريره وجد مصداق ما قال، فقال لإرميا: إني لأقتلهم إذ كذبوك ولم يصدقوك، فقتلهم ولحق بأرض بابل.
فأقام إرميا بمصر مده، فأوحى الله تعالى إليه: الحق بايليا. فانطلق حتى إذا رفع له شخص بيت المقدس ورأى خرابا عظيما، قال: (إني يحيى هذه الله) فنزل في ناحية واتخذ