وذكر المأمون بنص العهد الذي ورد فيه إعتذار الامام عن ممارسة أي شأن من شؤون الدولة، فرفض المأمون ذلك وأصر على رأيه وشدد في الطلب على الامام في إقامة صلاة العيد، فوجد الامام نفسه محرجا أمام هذا الالحاح والاصرار فاستجاب للطلب وخرج، و لذا كان خروجه مفاجأة لجماهير الأمة ووجهائها وعلمائها ورجال الدولة المحتشدين في موكب الصلاة.
كما أن الامام كان قد خرج بهيئة الخاشع المتبتل، المتجه إلى الله سبحانه، بعيدا عن مظاهر الأبهة والملك والسلطان، خلافا لما ألفه الناس وعرفوه في مثل هذه المناسبات، فكان عليه جلال الإمامة وهيبة الأولياء، وقدسية الانتساب إلى رسول الله (ص)، فأثر الموقف في جموع المصلين المحتشدة، وأثار عواطفهم وذكرهم بهيئته هذه برسول الله (ص)، وسيرته في المسلمين، فاضطرب الموقف وتفاعل المصلون مع الحدث الكبير تفاعلا شديدا، وانشدوا إلى الإمام (ع)، وتعلقت به القلوب واشرأبت نحوه الأعناق، و تحولت (مرو) إلى مظاهرة صاخبة تعلن عن الولاء لأهل البيت (ع) وتزخر بالحب والوفاء لهم.
فأثار هذا الموقف مخاوف البلاط وأركان السلطة، وفي مقدمتهم الفضل ابن سهل ذو الرياستين أحد وزراء المأمون، فتوجه خائفا فزعا مما رأى بالمشورة إلى الخليفة العباسي، وطلب منه أن يعيد الامام وأن يحول بينه وبين إقامة الصلاة، فقد أرعبه الموقف، وتجسدت أمامه بداية تمركز شخصية الامام وتألق نجمه السياسي.
ومن الجدير بالذكر أن ذا الرياستين كان ممن يناوئون الإمام الرضا (ع) ومن الكارهين لنقل ولاية الامر إليه.
فتقبل المأمون نصيحة ذي الرياستين وطلب من الإمام الرضا (ع) العودة والرجوع، فترك الامام الناس وعاد قبل أن تقام الصلاة. ولكي ننقل صورة حية للقارئ الكريم عن الموقف والمشهد كما وصفه المؤرخون وذكره أرباب السير والرواية، فلنسجل النص التاريخي الذي رواه الشيخ الصدوق، قال رضوان الله عليه.
فلما حضر العيد بعث المأمون إلى الرضا (ع) يسأله أن يركب ويحضر العيد، ويخطب ليطمئن قلوب الناس، ويعرفوا فضله وتقر قلوبهم على هذه الدولة المباركة، فبعث إليه الرضا (ع) وقال: قد علمت ما كان بيني وبينك من الشروط في دخولي في هذا الامر، فقال المأمون: إنما أريد بهذا أن يرسخ في قلوب العامة والجند والشاكرية هذا الامر، فتطمئن قلوبهم ويقروا بما فضلك الله به، فلم يزل يردد الكلام في ذلك، فلما ألح عليه قال: يا أمير المؤمنين إن أعفيتني من ذلك فهو أحب إلى، وإن لم تعفني خرجت كما كان يخرج رسول الله (ص)، وكما خرج أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) فقال المأمون:
أخرج كما تحب، وأمر المأمون القواد والناس أن يبكروا إلى باب أبي الحسن الرضا (ع)، فقعد الناس لأبي الحسن الرضا (ع) في الطرقات والسطوح من الرجال والنساء والصبيان، واجتمع القواد على باب الرضا (ع)، فلما طلعت الشمس قام الرضا (ع) فاغتسل وتعمم بعمامة بيضاء من قطن، وألقى طرفا