قوادها، وأمر المأمون بأن يفرش لأبي جعفر محمد الجواد فرش حسن، وأن يجعل عليه مصورتان، ففعل ذلك وخرج أبو جعفر فجلس بين المصورتين، وجلس القاضي يحيى مقابله، و جلس الناس في مراتبهم على قدر طبقاتهم ومنازلهم، فأقبل يحيى بن أكثم على أبى جعفر فسأله عن مسائل أعدها له، فأجاب بأحسن جواب، وأبان فيها عن وجه الصواب، بلسان ذلق ووجه طلق، وقلب جسور، ومنطق ليس بعي ولا حصور، فعجب القوم من فصاحة لسانه، و حسن اتساق منطقه ونظامه، فقال له المأمون: أجدت يا أبا جعفر (1).
العمل السياسي في حياة الإمام (ع).
شكل أئمة أهل البيت (ع) خط المعارضة السياسية هم وأتباعهم ومن تولاهم على امتداد خط الصراع، ضد تسلط حكام الجور من الأمويين والعباسيين الذين تسلطوا على رقاب المسلمين بالقهر والإرهاب، وكان لكل إمام من أئمة أهل البيت (ع)، من علي بن أبي طالب حتى نهاية هذه السلسلة المباركة: كفاح طويل، ومواجهة السلطة القائمة، وكان الحكام في كل عصر يعتبرون الامام المتصدي من أهل البيت (ع)، مصدرا لذلك التحرر السياسي، ورمزا للمقاومة، ومأوى للمعارضة: لذا فإنه لم يسلم امام من أئمة أهل البيت (ع) من الملاحقة والاضطهاد والمضايقة والمراقبة، أو السجن والنفي والقتل.
وعلى الرغم من مواقف المأمون هذه، فقد حدثت في عهده انتفاضات علوية عديدة، لقد تحرك عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب وأعلن الثورة في (عك من بلاد اليمن) بسبب سوء المعاملة التي كان يبديها عمال الخليفة هناك، وراح يدعو إلى الرضا من آل محمد (ص)، فبايعه الناس والتقوا حوله واستجابوا لدعوته، فاضطر المأمون إلى إرسال جيش كثيف بقيادة دينار بن عبد الله، لمواجهة الثورة و إخمادها، وأرسل مع هذا القائد أمانا للثائر العلوي، فقبل ذلك الثائر الأمان، و سالم السلطة العباسية ولم يذكر المؤرخون السبب في هذا الموقف (2).
أما الثورة الثانية التي فجرها الثوار العلويون: فهي ثورة محمد بن القاسم بن علي بن عمر ابن علي بن الحسين بن علي بن أبي طاب (ع) فقد انطلق هذا الثائر العلوي من مدينة الطالقان في بلاد فارس، وقد تحدث المؤرخون وكتاب السير عن هذه الثورة، وعن شخصية هذا الثائر العلوي، فوصفه أبو الفرج الأصفهاني بقوله.
كانت العامة تلقبه الصوفي لأنه كان يدمن لبس الثياب من الصوف الأبيض، وكان من