رجال تركوا بصمات على قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٢٣٥
منها على صدره وطرفا بين كتفيه وتشمر (1)، ثم قال لجميع مواليه: إفعلوا مثل ما فعلت، ثم أخذ بيده عكازة وخرج ونحن بين يديه وهو حاف قد شمر سراويله إلى نصف الساق وعليه ثياب مشمرة، فلما قام ومشينا بين يديه رفع رأسه إلى السماء وكبر أربع تكبيرات، فخيل إلينا أن الهواء والحيطان تجاوبه، والقواد والناس على الباب قد تزينوا ولبسوا السلاح وتهيأوا بأحسن هيئة، فلما طلعنا عليهم بهذه الصورة حفاة قد تشمرنا وطلع الرضا (ع) ووقف وقفة على الباب قال: (ألله أكبر ألله أكبر ألله أكبر على ما هدانا، ألله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام، والحمد لله على ما ابتلانا)، ورفع بذلك صوته ورفعنا أصواتنا فتزعزعت مرو من البكاء والصياح فقالها ثلاث مرات، فسقط القواد عن دوابهم ورموا بخفافهم لما نظروا إلى أبى الحسن (ع)، و صارت مرو ضجة واحدة، ولم يتمالك الناس من البكاء والضجيج، وكان أبو الحسن (ع) يمشى و يقف في كل عشر خطوات وقفة، فكبر الله أربع مرات، فتخيل إلينا أن السماء والأرض والحيطان تجاوبه، وبلغ المأمون ذلك، فقال له الفضل بن سهل ذو الرياستين: يا أمير المؤمنين إن بلغ الرضا المصلى على هذا السبيل افتتن به الناس، فالرأي أن تسأله أن يرجع فبعث إليه المأمون، فسأله الرجوع، فدعا أبو الحسن (ع) بخفه فلبسه ورجع (2).
شهادة الإمام الرضا (ع).
استعرضنا بإيجاز سبب تولية المأمون الإمام الرضا (ع) لولاية العهد، وأوضحنا الأسباب التي دعته لذلك الامر، وكذلك أوضحنا كيف أن الإمام (ع) كان يدرك ذلك بوضوح، إلا أنه (ع) أرغم على قبول ولاية العهد، حيث أن الامام لا يخفى عليه أيضا أن المأمون ليس ذلك الشخص الذي كان زاهدا في الملك والسلطة، فقد قتل أخاه الأمين من أجلهما و قتل من خدموه وخدموا أباه الرشيد من قبل، أمثال طاهر بن الحسين، والفضل بن سهل، و آخرين ممن ساهموا في تثبيت سلطته وتنفيذ خططه، فكان طبيعيا أن يلقى الإمام (ع) مثل هذه المعاملة: وهو من أكثر الناس خطرا وأشدهم فاعلية، يضاف إلى ذلك ما كان للصراع والوشايات والوقيعة، التي كان يمارسها الحواشي أمثال الحسن والفضل بن سهل، وضغوط رجالات بنى العباس.
فقد حدثنا التاريخ أن المأمون قد دس السم في بعض طعام الإمام الرضا (ع) في عنب أو رمان، فقد ذكر المؤرخون ومنهم أبو الفرج الأصفهاني، أن الإمام الرضا (ع) قد مات اثر أكله عنبا قد دس فيه السم (3).

١ - شمر الثوب عن ساقيه: رفعه. تشمر للامر: أراده وتهيأ له.
٢ - الصدوق / عيون أخبار الرضا / ج ٢ / ص ١٥٠. ابن الصباغ المالكي / الفصول المهمة / ص ٢٦٠.
٣ - مقاتل الطالبيين ص ٥٦٧، ابن طولون الأئمة الاثنا عشر ص 98، وفيات الأعيان الابن خلكان ج 3 ص 270.
(٢٣٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 230 231 232 233 234 235 236 237 238 239 240 ... » »»