عزا قد ألبسناه الله، وقد عرفت ما بيننا وبين هؤلاء القوم قديما وحديثا، وما كان عليه الخلفاء الراشدون قبلك، من تبعيدهم والتصغير بهم، وقد كنا في وهلة من عملك مع الرضا (ع) ما عملت، فكفانا اله المهم من ذلك، فالله الله أن تردنا إلى غم قد انحسر عنا، واصرف رأيك عن ابن الرضا، وأعدل إلى من طراه من أهل بيتك يصلح لذلك دون غيره. فقال لهم المأمون: أماما بينكم وبين آل أبي طالب، فأنتم السبب فيه، ولو أنصفتم القوم لكانوا أولى بكم، وأما ما كان يفعله من قبلي بهم، فقد كان قاطعا للرحم، وأعوذ بالله من ذلك، والله ما ندمت على ما كان منى من استخلاف الرضا، ولقد سألته أن يقوم بالامر، من نفسي فأبى، وكان أمر الله قدرا مقدورا.
وأما أبو جعفر محمد بن علي فقد اخترته لتبريزه على كافة أهل الفضل في العلم والفضل، مع صغر سنه، والأعجوبة فيه بذلك، وأنا أرجو أن يظهر للناس ما قد عرفته منه، فيعلمون أن الرأي ما رأيت فيه، فقالوا له: ان هذا الفتى وان راقك منه هديه، فإنه صبي لا معرفة له ولا فقه، فأمهله ليتأدب، ثم اصنع ما تراه بعد ذلك، فقال لهم:
وتحكم انى أعرف بهذا الفتى منكم، وان أهل هذا البيت علمهم من الله تعالى ومواده و الهامه، لم تزل آباؤه أغنياء في علم الدين والأدب عن الرعايا الناقصة عن حد الكمال، فإن شئتم فامتحنوا أبا جعفر بما يتبين لكم به ما وصفت لكم من حاله (1).
وفعلا فقد ثار - الجدل والحوار حول شخصية الإمام الجواد محمد بن علي الرضا (ع) لصغر سنه وعدم بلوغه، فقد كان صبيا، عمره نحو سبع سنوات يوم وفاة أبيه (ع)، وقد أتحفتنا كتب التاريخ والسير بجانب من تلك المناظرات حول شخصية الامام وعلمه ولياقته في هذه السن للإمامة، وذكرت تفرق بعض أتباع أهل البيت (ع) عن الإمام الجواد (ع)، وفيما يأتي نتناول جانبا من هذه النصوص الوثائقية، لننتهي معها إلى ما انتهت إليه من تثبيت إمامته (ع)، فقد كتب الشيخ المفيد، وهو من أعاظم علماء أهل البيت (ع) في القرن الرابع للهجرة تحليلا لذلك بقوله.
ثم إن الأمة استمرت على القول بأصول الإمامة طوال أيام أبى الحسن الرضا (ع) فلما توفي وخلف ابنه أبا جعفر (ع) وله عند وفاة أبيه سبع سنين، اختلفوا وتفرقوا ثلاث فرق: فرقة مضت على سنن القول في الإمامة ودانت بإمامة أبى جعفر (ع)، ونقلت النص عليه، وهي أكثر الفرق عددا، وفرقة أخرى ارتدت إلى قول الواقفة، رجعوا عما كانوا عليه من إمامة الرضا (ع)، وفرقة ثالثة قالت بإمامة أحمد بن موسى (2)، وزعموا أن الرضا (ع) وصى إليه ونص بالإمامة عليه، واعتل الفريقان الشاذان عن أصل الإمامة بصغر سن أبى جعفر (ع)، وقالوا: لا يجوز أن يكون إمام الزمان صبيا لم