رجال تركوا بصمات على قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٢٣١
الغاية من دفع ولاية العهد إلى الإمام الرضا (ع).
لقد كان المخرج من الأزمة السياسية التي أحاطت بالمأمون حسب تصوره، هو مخاطبة الامام على بن موسى الرضا (ع) بقبول ولاية العهد، والمشاركة في إدارة شؤون الدولة، ليضم إليه قوى المعارضة ويجمع جناحي القوة - العلوية والعباسية - بيده كما تصور.
ولبعض الكتاب والمؤرخين آراء أخرى في تفسير البيعة ونقل المأمون للخلافة من بنى العباس إلى آل علي بن أبي طالب (ع)، وهو تشيع المأمون لأهل البيت (ع)، وتأثره بشخصية الإمام الرضا (ع)، لأنه كان أعلم وأورع وأكفأ أهل عصره... الخ.
الا أن الدلائل تشير إلى رجحان الرأي الأول، أي أن ما فعله المأمون كان خطة عمل سياسية تستهدف تهدئة الأوضاع، وامتصاص روح الثورة والنقمة.
ذكر المؤرخون أن المأمون لما أراد أن ينفذ خطته هذه أحضر الفضل بن سهل وأخبره بما عزم عليه، وأمر بمشاورة أخيه الحسن في ذلك، فاجتمعا وحضرا عند المأمون فجعل الحسن يعظم ذلك ويعرفه ما في اخراج الامر عن أهل بيته، فقال المأمون: عاهدت الله أنى إن ظفرت بالمخلوع (1) سلمت الخلافة إلى ذي فضل من بنى آل أبي طالب، وهو أفضل ولابد من ذلك، فلما رأيا تصميمه وعزيمته على ذلك أمسكا عن معارضته، فقال: تذهبان الان إليه، وتخبرانه بذلك عني وتلزمانه به، فذهبا إلى الرضا (ع)، وأخبراه بذلك، والزام المأمون له بذلك فامتنع فلم يزالا به حتى أجاب على أنه لا يأمر ولا ينهى، ولا يولى ولا يعزل، ولا يتكلم بين اثنين في حكم، ولا يغير شيئا هو قائم على أصوله فأجابه المأمون إلى ذلك (2).
ثم دعا به المأمون فخاطبه فيما أراد من توليته فامتنع، فقال له قولا شبيها بالتهديد، ثم قال له: إن عمر جعل الشورى في ستة أحدهم جدك، وقال: من خالف فاضربوا عنقه، ولابد من قول ذلك، فأجابه على بن موسى إلى ما التمس (3).
ان المتأمل في هذه النصوص التاريخية وفي الظروف والأوضاع السياسية، يدرك أن الإمام الرضا كان يدرك الخطة السياسية للمأمون، وانه لم يكن مطمئنا إليها، لذلك ثبت في الشرط: انه لا يأمر ولا ينهى، ولا يولى ولا يعزل، ولا يتكلم بين اثنين في حكم، ولا يغير شيئا هو قائم على أصوله.
وكان يعرف ما تؤول إليه الأمور وينتهي إليه تفكير المأمون، وأوضح ذلك لاحد خاصته.
فقد ذكر الشيخ المفيد (رض) عن المدائني: لما جلس الإمام الرضا على بن موسى عليهما السلام في الخلع بولاية العهد، قام بين يديه الخطباء والشعراء، وخفقت

١ - يعنى أخاه الأمين.
٢ - ابن الصباغ المالكي / الفصول المهمة في معرفة أحوال الأئمة / ص ٢٥٥.
٣ - أبو الفرج الأصفهاني / مقاتل الطالبيين / ص 562 المفيد / الارشاد / ص 310.
(٢٣١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 226 227 228 229 230 231 232 233 234 235 236 ... » »»