لها تاريخ الاسلام من مثيل، طلب المأمون من الإمام الرضا (ع) أن يخطب الناس.
فقام الإمام الرضا (ع) وتحدث بكلمات وجيزة بليغة جامعة تحمل في طياتها طبيعة موقف الإمام الرضا (ع)، وعدم تجاوبه مع السلطة أو انسجامه معها. فقد قال بعد حمد الله والثناء عليه: ان لنا عليكم حقا برسول الله (ص) ولكم علينا حقا به، فإذا أديتم إلينا ذلك وجب علينا الحق لكم (1).
وخطبة الامام خير دليل على موقفه وعدم قناعته بمستقبل البيعة، لذا أورد في خطابه إشارة دقيقة: فإذا أديتم ذلك وجب علينا الحق لكم. ولم يكلم الناس بشئ، ولم يتحدث بلسان رجل الحكم والسلطة، فما كان يقرها في نفسه، ولا يريد أن يضفى على حكم المأمون صفة الشرعية بجعل نفسه نائبا له ووصيا لملكه.
المأمون يؤكد موقع الإمام (ع).
واستمر المأمون يتابع الاجراءات والقرارات التي تؤكد موقع الامام، وتقنع الرأي العام بجدية الخطوة التي أقدم عليها المأمون.
فأمر بإصدار النقود باسم الإمام الرضا (ع)، وضرب عليها اسمه الشريف، وأصدر أوامره إلى أقطار الدولة كافة أن يذكر اسم الإمام (ع) في خطب الجمعة ومن أعلى المنابر، و توكيد ولاية عهده للأمة في كل مكان، وأعلنت ولاية عهد الرضا من على منبر رسول الله (ص) في المدينة المنورة، واتخذ المأمون خطوات أخرى ليؤكد الرابطة والعلاقة بالامام، فزوج وعقد للإمام محمد الجواد بن الإمام على بن موسى الرضا (ع) (2)، ليؤكد للرأي العام الصلة بينه وبين الامام، ويقنع الأمة بحسن القصد وصدق الاتجاه السياسي الذي اختاره واتجه إليه.
وخطب للرضا بولاية العهد في كل بلد، وخطب عبد الجبار بن سعيد في تلك السنة على منبر رسول الله صلى الله عليه وآله بالمدينة الشريفة.
وذكر المدائني، قال: لما جلس الرضا ذلك المجلس وهو لابس تلك الخلع، والخطباء يتكلمون وتلك الألوية تخفق على رأسه، نظر أبو الحسن الرضا (ع) إلى بعض مواليه الحاضرين ممن كان يختص به، وقد داخله من السرور مالا عليه مزيد، وذلك لما رأى فأشار إليه الرضا (ع) فدنا منه، وقال له في أذنه سرا: لا تشغل قلبك بشئ مما ترى من هذا الامر ولا تستبشر فإنه لا يتم.
روى المؤرخون أن المأمون بعد أن ثبت للناس وأبلغ الآفاق والأقطار بالبيعة، أراد من الامام أن يمارس عملا فعليا يتعرف الناس من خلاله على مباشرة الامام لبعض مهام الدولة، فطلب من الامام أن يقيم في الناس صلاة العيد، فاعتذر الامام عن إقامتها