رجال تركوا بصمات على قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٠١
دون المسلمين أفعل بها ما أشاء، وإنه قد كان لأمك خديجة على أبيك مهر، وإن أباك قد جعلها لك بذلك، وأنحلكيها لك ولولدك بعدك. ثم دعا النبي (ص) علي بن أبي طالب فقال: أكتب لفاطمة بفدك نحلة من رسول الله.
فيمكن لنا أن نستخلص من قضية فدك الدوافع التي دعت أبا بكر وعمر بعيد وفاة الرسول الأعظم (ص) إلى وضع أيديهما على ما ترك (ص)، حيث كانت الزهراء (ع) قد أخذت العهد على نفسها في أن ترفع صوتها عاليا بوجه الحاكم: للتعبير عن مظلوميتها وغصب حقها، وهي التي باهل بها الرسول نصارى نجران، حيث كانت رمزا للمرأة المسلمة (ونساءنا و نساءكم)، وهي التي علمها الله وطهرها تطهيرا عن الشرك والمعاصي والكذب، حيث قال القرآن الكريم عنها وعن أهل بيتها: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) (1).
إذا لم تكن فاطمة (س) امرأة عادية يمكن أن تتعرض للأهواء والشهوات، أو تنحاز عاطفيا ضد الحق: فقد ترجمت رفضها للحكم منذ الأيام الأولى لفقد أبيها (ص)، وقد سجل التاريخ أن الزهراء (ع) كانت تقف بصلابة ضد الانقلاب السياسي، والانهيار الكبير اللذين حلا بالمجتمع الإسلامي، وكانت تستخدم قضية فدك لإدانة الحاكم سياسيا وأمام الملأ، من خلال عرض تجاوزه للحق ومخالفته للقرآن، كما أن استنصارها الأنصار كان يحمل معنى سياسيا أيضا، وبكلمة أخرى كانت الساعد الأيمن لعلي (ع) في خوض معترك الخلافة لصالحه.
ومن هنا يمكن لنا تلخيص المواقف والأهداف التي تبناها أبو بكر وعمر بعد وفاة النبي (ص)، فضلا عن فدك التي تركت أكبر الأثر في تاريخ الإسلام والمسلمين بما يلي:
1 - وضع مبدأ إبعاد الهاشميين عن مراكز الدولة، وعن الوظائف العامة، حتى لا يستغل الهاشميون مناصبهم، ويحاولوا الاستيلاء على الخلافة.
2 - عمل عمر على أن يحسم بسرعة خلافه مع أبي سفيان - الذي كان كما يبدو خارج اللعبة - فأعطاه ما بيده من الصدقات، وفيها حقوق الفقراء والمساكين (2).
3 - لقد عين عمر يزيد بن أبي سفيان قائدا لجيوش الشام، وعين أخاه معاوية نائبا له مما أتاح للأمويين أن يتحينوا الفرص للاستيلاء على السلطة كلها.
4 - كذلك عمد عمر إلى إغراق أصحاب الخطر بالعطايا والصلات، بعد أن ألغى سنة رسول الله بالمساواة بين الناس في العطاء.
ومن نافلة القول، يمكن لنا أن نذكر نقاطا عدة ترتبط أصلا بحيثيات القضية (قضية فدك)، ومنها:
أولا: إن أبا بكر لم يكن حاكما في القضية، بل كان خصما.
ثانيا: إن الزهراء (ع) كانت صاحبة اليد، فلم يكن له أن يطالبها بالشهود

1 - الأحزاب، الآية 33.
2 - راجع العقد الفريد ج 4 ص 257، وشرح النهج ج 9 ص 49.
(١٠١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 96 97 98 99 100 101 102 103 104 105 106 ... » »»