رجال تركوا بصمات على قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٠٣
وللإجابة على هذا القول، نقول: إن أمير المؤمنين (ع) كان يرى فدكا لأهل البيت (ع) لما سجله التاريخ، وصرح به الإمام (ع) نفسه بوضوح في رسالته إلى عثمان بن حنيف، إذ يقول (ع):... وسخت عنها نفوس آخرين.
ولما ولي معاوية بن أبي سفيان الخلافة أمعن في السرية، وأكثر من الاستخفاف بالحق المهضوم، فأقطع مروان بن الحكم ثلث فدك، وعمر بن عثمان ثلثها، ويزيد ابنه ثلثها الآخر، فلم يزالوا يتداولونها حتى خلصت كلها لمروان بن الحكم، ثم صفت لعمر بن عبد العزيز (كما أسلفنا في أمره برد فدك)، ولما انقرضت دولة بني أمية تلاقفها بنو العباس، فبعد أن صارت بيد أبي العباس السفاح، ردها على عبد الله ابن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، ثم قبضها أبو جعفر المنصور من بني الحسن، وردها المهدي بن المنصور على الفاطميين، ثم قبضها موسى بن المهدي من أيديهم، ولم تزل في أيدي العباسيين حتى تولى المأمون الخلافة، فردها على الفاطميين سنة 210 ه‍، كما أسلفنا.
فقد كتب المأمون إلى عامله على المدينة قثم بن جعفر، يأمره برد فدك على ورثة فاطمة (ع) بنت رسول الله (ص)، بحدودها وجميع حقوقها المنسوبة إليها، وما فيها من الرقيق والغلات وغير ذلك، وتسليمها إلى محمد بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، ومحمد بن عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام، ولما تولى المتوكل الخلافة، انتزعها من الفاطميين، وأقطعها عبد الله بن عمر البازيار.
فالمسألة إذا ليست مسألة ميراث ونحلة، إلا بالمقدار الذي يتصل بموضوع السياسة العليا. وليست مطالبة بعقار أو دار، فالممعن في دراسة خطوات النزاع وتطوراته، والمناحي التي نحاها لا يفهم منها أنها مجرد مطالبة بأرض: بل يتجلى له منها مفهوم أوسع من ذلك، ينطوي على غرض طموح يبعث إلى استرداد عرش مسلوب ومجد عظيم أجهض، و تقويم أمة انقلبت على أعقابها.
ويكفينا لإثبات ذلك أن نلقي نظرة على الخطبة التي خطبتها الزهراء (ع) في مسجد الرسول (ص)، أمام الخليفة الأول وبين يدي الجمع المحتشد من المهاجرين والأنصار، فقد دارت هذه الخطبة حول امتداح علي والثناء على مواقفه الخالدة في الإسلام، وتسجيل حق أهل البيت الذين وصفتهم بأنهم الوسيلة إلى الله في خلقه، وخاصته، ومحل قدسه، و حجته على عباده، وورثة أنبيائه في الخلافة والحكم، وإلفات نظر المسلمين إلى حظهم العاثر، واختيارهم المرتجل وانقلابهم على أعقابهم، وورودهم غير مشربهم، وإسنادهم الأمر إلى غير أهله، والفتنة التي سقطوا فيها، والدواعي التي دعتهم إلى نبذ الكتاب، ومخالفته فيما يحكم به في موضوع الخلافة والإمامة.
ولم يؤثر عن نساء النبي (ص) أنهن خاصمن أبا بكر في شئ من ميراثهن. أكن أزهد من الزهراء (ع) في متاع الدنيا، وأقرب إلى ذوق أبيها في الحياة؟!. أو أنهن اشتغلن بمصيبة رسول الله (ص)، ولم تشتغل بها الزهراء؟!.
ومذهب الشيعة في تفسير ما قام به رسول الله (ص) من تجنيد جيش أسامة معروف، وهو إنه (ص) أحس بأن ثمة اتفاقا ما بين جملة من أصحابه على أمر معين، وقد يجعل هذا الاتفاق
(١٠٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 98 99 100 101 102 103 104 105 106 107 108 ... » »»