ولما كان الصديق يطلب من الزهراء (ع) بضعة رسول الله (ص) (التي خصت وأهل بيتها (ع) بآية التطهير) البينة على دعواها ويعترض على شهادة أم أيمن المشهود لها بالجنة، و سيد الأوصياء علي قرين الزهراء في آية التطهير، والحسنين أيضا، فكيف غفل عن أخذ البينة من أبي بشير المازني لما جاء يطلب مالا كان قد أوعده النبي بذلك؟ فقد جاء في الطبقات لابن سعد عن أبي سعيد الخدري أنه قال: سمعت منادي أبي بكر ينادي بالمدينة حين قدم عليه مال البحرين: من كانت له عدة عند رسول الله (ص) فليأت، فيأتيه رجال فيعطيهم، فجاء أبو بشير المازني فقال: إن رسول الله (ص) قال: يا أبا بشير، إذا جاءنا شئ فأتنا، فأعطاه أبو بكر حفنتين أو ثلاثا فوجدوها ألفا وأربعمئة درهم (1).
وفي صحيح البخاري: إن النبي (ص) لما مات جاء لأبي بكر مال من قبل العلاء بن الحضرمي، فقال: من كان له علي دين أو كانت قبله عدة فليأتنا، قال جابر: وعدني رسول الله (ص) أن يعطيني هكذا وهكذا وهكذا، فبسط يده ثلاث مرات، فعد في يدي خمسمئة ثم خمسمئة ثم خمسمئة.
فإذا كان الصديق لا يطالب أحدا من الصحابة بالبينة على الدين أو العدة: فكيف طالب الزهراء ببينة على النحلة؟ وهل كان النظام القضائي يخص الزهراء وحدها بذلك؟ أو أن الظروف السياسية الخاصة هي التي جعلت لها هذا الاختصاص؟!.
إذن كان على الخليفة نظرا لملكية الزهراء لفدك، أن لا يتصرف فيها بما تكره، ولا ينزعها منها، سواء أجاز له أن يحكم على وفق علمه أولا، ثم إنه لم يكن في المسألة - منكر ينازع الزهراء (ع)، ليلزم طلب اليمين منه، واستحقاقه للمال إذا قسم: لأن الأموال التي كانت تطالب بها الزهراء (ع) إما أن تكون لها، أو أنها تكون للمسلمين.
الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب (ع).
في اليوم الخامس عشر من شهر رمضان المبارك من السنة الثالثة من الهجرة: أعلن البيت النبوي المطهر نبأ ميلاد سبط الرسول الأول الحسن بن علي بن أبي طالب (ع)، وزفت البشرى إلى المصطفى، والتفت الرسول (ص)، إلى علي (ع) قائلا: أي شئ أسميت ابني؟ قال:
ما كنت لأسبقك بذلك، فقال (ص): ولا أنا سابق ربي (2).
ولم يكد هذا الحوار الكريم بين الرسول (ص) ووصيه، حول تسمية الوليد يصل نهايته حتى تنزل الوحي الإلهي المقدس على رسول الله (ص) يبلغه، بأن الله سبحانه قد سمى الوليد حسنا (3).
إن المتتبع لحياة الحسن السبط وأخيه الحسين عليهما السلام: لابد أن يصل إلى حد القطع في أنهما قد توافرت لهما من التربية والنشأة الروحية والفكرية ما لم يتسن لسواهما بعد جدهما (ص) وأبيهما (ع)، فبصمات الوحي والإعداد الإلهي، صارا طابعا مميزا لشخصيتهما