رجال تركوا بصمات على قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٠٤
منهم جبهة معارضة لعلي (ع)، ونحن إن شككنا في هذا، فلا نشك في أن النبي (ص) قد جعل أبا بكر وعليا في كفتي الميزان مرارا أمام المسلمين جميعا ليروا بأعينهم أنهما لا يستويان جميعا في الميزان العادل، وإلا فهل ترى إعفاء أبي بكر من قراءة التوبة على المشركين بعد أن كلف بذلك، أمرا طبيعيا؟ ولماذا انتظر الوحي وصول الصديق إلى منتصف الطريق، لينزل على رسول الله (ص) ويأمره باسترجاعه (أبي بكر)، وإرسال علي للقيام بالمهمة؟ أفكان عبثا أو غفلة أو أمرا ثالثا، وهو أن رسول الله (ص) أحس بأن المنافس المتحفز لمعارضة ابن عمه ووصيه هو أبو بكر، فشاء وشاء له ربه تعالى أن يرسل أبا بكر ثم يرجعه؟ طبيعي أن يوضح الرسول (ص) مدى الفرق بين الشخصين، وقيمة هذا المنافس الذي لم يأتمنه الله على تبليغ سورة إلى جماعة، فكيف بالخلافة والسلطنة المطلقة؟!!.
وإليك ما جاء في كتاب معاوية بن أبي سفيان إلى محمد بن أبي بكر في اتهام أبيه وعمر، بالاتفاق على غصب الحق العلوي، والتنظيم السرى لخطوط الحملة على الإمام، إذ قال له فيما قال: فقد كنا وأبوك نعرف فضل ابن أبي طالب وحقه لازما لنا، مبرورا علينا، فلما اختار الله لنبيه (ص) ما عنده وأتم وعده، وأظهر دعوته فأبلج حجته وقبضه إليه (ص)، كان أبوك والفاروق أول من ابتزه حقه وخالفه على أمره، على ذلك اتفقا واتسقا، ثم إنهما دعواه إلى بيعتهما فأبطأ عنهما وتلكأ عليهما، فهما به الهموم، وأرادا به العظيم... الخ؟! (1).
إذن فلا غرابة في أن ينتزع الخليفة من أهل البيت أموالهم المهمة: ليركز بذلك حكومته، أو أن يخشى من علي (ع) أن يصرف حاصلات فدك وغير فدك على الدعوة إلى نفسه، و معارضة نظام الحكم الجديد القائم على أسس غير صحيحة، وهذا ما حدا بأكثر الحكام والخلفاء الذين تلوه إلى العمل على سيرته.
ونحن لا نريد أن نستعرض هنا سيرة الخليفتين أبي بكر وعمر منذ اللحظة الأولى تجاه آل البيت، للقضاء على الفكرة التي أمدت الهاشميين بقوة على المعارضة، كما خنقوا المعارضة نفسها، لكننا نستطيع أن نصف هذه السياسة بأنها تهدف إلى إلغاء امتياز البيت الهاشمي، وإبعاد أنصاره والمخلصين له عن المرافق في جهاز الحكومة يومئذ، فمن سيرة الخليفة وأصحابه مع علي (ع) التي بلغت من الشدة أن عمر هدد بحرق بيته، وإن كانت فاطمة بضعة الرسول (ص) فيه، ومعنى هذا إعلان أن فاطمة وغير فاطمة من آل الرسول (ص)، ليست لهم حرمة تمنعهم عن أن يتخذ معهم نفس الطريقة التي سار عليها مع سعد بن عبادة - سيد الخزرج -، حين أمر الناس بقتله، وما عزل الخليفة لخالد بن سعيد بن العاص عن قيادة الجيش الذي وجهه لفتح الشام بعد أن أسندها إليه، لا لشئ، إلا لأن عمر نبهه إلى نزعته الهاشمية.
وأخرى، فقد أظهر الخليفة الندم في ساعة وفاته - بعد فوات الأوان - على عدم تسليم فدك لفاطمة (ع) (2).

1 - راجع مروج الذهب للمسعودي ج 2 ص 315.
2 - راجع الطبري، كما في ص 18 من سمو المعنى في سمو الذات، للأستاذ عبد الله العلائلي.
(١٠٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 99 100 101 102 103 104 105 106 107 108 109 ... » »»