الخوارج والشيعة - دكتر عبد الرحمن البدوي - الصفحة ٨٣
القتال مرة أخرى ثم عاد شبيب وأصحابه وتخلف في آخرهم فأقبل على فرسه وكانت بين يديه فرس أنثى ماذيانة فنزل فرسه عليها وهو على الجسر فاضطربت الماذيانة ونزل حافر رجل فرس شبيب على حرف السفينة فسقط في الماء. ولم يستطع - لثقل سلاحه - أن يسبح وينجو فارتمس في الماء ثم ارتفع فقال: (ذلك تقدير العزيز العليم!) ولعل ذلك كان لا يزال سنة 77 ه‍ حوالي نهاية العام. وقد أثارت جثته عجب أهل الشام لأنه كان قويا محكم الأسر كأنه صخرة. وكانت أمه لا تزال في قيد الحياة وأمه كانت أسيرة رومية. وكان شبيب ينعي لامه فيقال:
قتل - فلا تقبل فقيل لها إنه غرق فقبلت وقالت: إني حين ولدته رأيت أنه خرج مني شهاب نار فعلمت أنه لا يطفئه إلا الماء (1). وكان هلاك شبيب في تيار نهر دجيل مناسبا لحاله فبقيت ذكراه حية في الأجيال التالية (2).
وهناك دلائل تشير إلى أن مصرع شبيب لم يكن فقط بسبب تفوق أعدائه بل وأيضا لمنازعات ومنافسات خائنة قامت بين أنصاره ففي رواية عمر بن شبة التي أوردها الطبري (2 / 967) ذكر أنه حدث في الساعات الحرجة في معركة السبخة (أما الكوفة) أن تناول مصقلة بن مهلهل الضبي لجام شبيب وقال له: ما تقول في صالح بن مسرح وبما تشهد عليه؟ فقال شبيب: أعلى هذه الحال وفي هذه الحزة والحجاج ينظر؟! وتبرأ شبيب من صالح فقال مصقلة: (برئ الله منك!) وفارقه هو وجماعة من أنصاره أربعين فارسا هم أشد أصحابه - وانحاز الآخرون إلى دار الرزق. فكان هذا الخلاف تيسيرا للحجاج أن ينال النصر على شبيب.
وثمت رواية أخرى أضافها أبو مخنف نفسه إلى روايته الأصلية (الطبري 2 / 975 وما يليها) تدل على أنه كان هناك خيانة في الحرب التي أدت إلى كارثة نهر دجيل:
إن شبيبا لم يعبر الجسر سليما لان بعض أنصاره قطعوا الجبال (3). وهذه الرواية

(1) مستند هذا الحلم إلى اشتقاق (فاسد) لاسم (شبيب) من الفعل (شب). وذكر اليعقوبي (3 / 328) أن اسم أمه: جهيزة.
(2) حتى أن ثيوفانس سمع به: ظهر شبيب في خراسان وكاد أن يجعله الحجاج يغرق في نهر (كاد)!.
(3) في رواية اليعقوبي (2 / 328): أن الذين قطعوا الحبال هم أهل الشام إذ كان من الضروري أن ينتصروا على أن رواية اليعقوبي لا تثبت أمام رواية أبي مخنف.
(٨٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 78 79 80 81 82 83 84 85 86 87 88 ... » »»
الفهرست