الخوارج والشيعة - دكتر عبد الرحمن البدوي - الصفحة ٨١
يشبه أباه وكانت لديه ميول شديدة نحو الخوارج ولكنه لم يشأ أن يكون تابعا لشبيب كما لم يشأ أن يقاتله فأخلى المدائن وخرج نحو الجبال حيث لقي نهايته وباستيلاء شبيب على المدائن احتل مركزا منيعا جدا ولكن يبدو أنه لم يستفد منه كثيرا.
واستغل الحجاج الوقت الذي تركه العدو فيه في راحة - فألف جيشا أكبر بعشر مرات من أي جيش سابق بعث به انخرط فيه كل من له عطاء في ديوان الكوفة:
شبابا وشيبا كان من بينهم من شهدوا معركة القادسية قبل ذلك بستين سنة. كذلك انضمت إليه الفصائل المختلفة خصوصا تلك التي كانت تساعد أهل البصرة ضد الأزارقة وأصبح قائدهم عتاب بن ورقاء هو القائد الاعلى لهذا الجيش الكبير.
وتحرك هذا الجيش بعد استيلاء الخوارج على المدائن أعني بعد فصل الصيف من سنة 77 ه‍ (696 م) فأتى سوق حكمة بالصراة (1) في الجنوب الغربي من الدجلة غير بعيد من بغداد ففاجأ هذا الجيش شبيب ومعه ستمائة رجل. وكان أمره مع هذا الجيش سهلا لان هذا الجيش كان أشبه بالقطعان منه بالجيش المنظم ولم يكن أعظم أخطائهم أنهم لم يعودوا يحسنون الأناشيد الحربية القديمة ولم يكن فيهم خطباء يشعلون حماستهم. وتركوا أمر القتال لرؤسائهم وأبرز المحاربين فلما سقط هؤلاء قتلى ومن بينهم عتاب بن ورقاء نفسه ولوا هاربين.
فكان في وسع شبيب بعد ذلك لا أن يثير الرعب في الكوفة فحسب بل وأن يهاجمها هجوما جديا فبعد أن هزم جيشا صغيرا اعترض طريقه قطع الجسر وعسكر دونه إلى الكوفة وأقام في عسكره مدة غير قصيرة إذ بنى مسجدا هناك (2).
ولو أن الحجاج اكتفى بجنوده من أهل الكوفة لكانت النتيجة كارثة عليه كذلك العبيد والموالي الذين سلحهم لم يكن في استطاعتهم إنقاذه رغم شجاعتهم وإخلاصهم له. بل كان عليه أن يطالب بجنوده من الشام يرسلهم إليه الخليفة وقد

(1) الصراة - كالنهروان - اسم قناة واسم مكان على القناة.
(2) أو بناء لتحقيق نذر زوجه غزالة؟ لقد بقي المسجد مدة طويلة يحمل اسمه. وقد أمر بنبش القبر الذي دفن فيه رأس زوجه - وكان قد أرسل إلى الحجاج بعد قتلها - ودفن شبيب رأسها هناك.
(٨١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 76 77 78 79 80 81 82 83 84 85 86 ... » »»
الفهرست