الخوارج والشيعة - دكتر عبد الرحمن البدوي - الصفحة ١٥٣
البقية عقدت بعد ذلك بزمان طويل صلات مع خراسان. حيث مركز العصبية الشعبية الإيرانية التي أثارت العاصفة التي أطاحت فيما بعد بالسيادة العربية. وهكذا كان المختار سلفا لأبي مسلم الخراساني. والأرواح التي حضرها نمت وازداد عددها وأكثر مما كان يتصور. ولهذا فإن أثره - على الرغم من إخفاقه - كان كبيرا جدا ولكنه لم يكن يقصد إليه قصدا. والقول بأنه خان بني قومه لحساب الفرس فأطاحوا برأسه جزاءا وفاقا لخيانته هذه هذا القول حكم مع الهوى وخطأ من عدة نواح.
وبالجملة فإن المختار ظاهرة حافلة بالمأساة لا يحق لنا أن نشعر نحوها بنفس النفور الذي شعر به نحوها معاصروها.
ألزمت السلطة الحاكمة الموالي حدودهم وأثار المختار الروع والتشكك في نفوس العرب وكان أهل الكوفة جميعا من الشيعة بالقدر الذي كانوا به يعارضوا حكم الأمويين ولم يكن تشيعهم عن تفان في آل علي وحرص على أن يكون الامر لهم (الطبري 2 / 1258 وما يليها). والثورة التي قام بها عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث قد قصد بها إلى استقلال العراق يحكم نفسه ضد سيادة الشام والامر نفسه يقال عن ثورة يزيد بن المهلب. أما الشيعة الحقيقيون فقد اعتصموا بالهدوء وقتا طويلا.
وأحفاد النبي وهم أبناء علي من فاطمة وأحفادهم قد عاشوا في المدينة بلد الأرستقراطية التي تعيش على بيت المال في الاسلام وكان أبرز الناس في المجتمع المدني المنحل وأكثرهم شعبية. وكان بنو أمية يدللونهم طالما ظلوا ملتزمين الدعة والهدوء. أما بنو الزبير وأحلافهم من بني مخزوم فكانوا يبغضونهم. وكان يود كل امرئ أن يزوجهم بناته واستغلوا الفرصة لاكثار الدم المقدس (يقصد دم النبي - أعني نسله). فعاشوا بمعزل عن كل هم واضطراب في المدينة التقية ذات الخمر والغناء والقيان (الطبري ص 1910 س 12). حقا إنهم لم يطلقوا دعواهم في الأحقية للخلافة. ولكنهم لم يلاحقوا الدعوى بانتظام واستمرار ولم يعدوا العدة لتحقيقها عن وعي كامل بأهدافهم. ولم يشاءوا استغلال ذوي النزعات الثائرة والأحلام الهادفة إلى القضاء على سلطان العرب والمتآمرين بل تركت هؤلاء للعباسيين الذين عرفوا كيف يستغلونهم. ولم يكن بين أحفاد علي رجال بالمعنى الحقيقي أما النسوة فكان من بينهن اللواتي يحملن طابع الذرية والأصالة وخصوصا سكينة بنت الحسين وكان نسل الحسين - وهو الأحدث - هو النسل
(١٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 147 148 149 150 151 152 153 154 155 156 157 » »»
الفهرست