التاريخ وحركة التقدم البشري ونظرة الإسلام - الشيخ محمد مهدي شمس الدين - الصفحة ١٠٣
وأفضل الأمثلة التي يحتويها نهج البلاغة في موضوعنا هو الخطبة المسماة القاصعة 1 وهو يعرض فيها الآفات التي تعرض مجتمع العراق للخطر، ويذكر النظائر التاريخية لذلك عارضا أسباب الانحطاط.
* عالج الإمام في هذه الخطبة آفة شديدة الخطورة كانت تتعاظم وتستفحل في مجتمع العراق في ذلك الحين. تلك هي آفة الصراع الداخلي الذي كان يمزق وحدة المجتمع العراقي ويشل فاعليته وينعكس بآثاره السيئة وتفاعلاته المشؤومة على سائر دولة الخلافة.
وقد كان هذا الصراع يبدو للمراقب بوجوه متنوعة:
1 - الصراع القبلي:
فقد نشطت الروح القبلية والقيم القبلية، وعادت إلى الظهور فارضة منطقها في رسم خريطة العلاقات الاجتماعية والسياسية داخل المجتمع، وكان ظهور الروح القبلية نتيجة لجملة من الأخطاء التي ارتكبت في عهد إدارة الخليفة الثالث عثمان بن عفان.
وكانت أخطاء في السياسة، وفي الإدارة، وفي التنظيم الاقتصادي، وفي التوجيه الثقافي العام.
ويبدو أن هذه الروح القبلية قد سببت تخريبا واسع النطاق داخل المجتمع العراقي، ونرجح أن معاوية بن أبي سفيان كان يستغلها للإمعان في تصديع وحدة مجتمع العراق.
ويبدا أن هذه الروح القبلية التي كان يذكيها أصحاب المصالح الخاصة

(1) قال ابن أبي الحديد في شرح هذه الكلمة:
يجوز أن تسمى هذه الخطبة القاصعة من قولهم: قصعت الناقة بجرتها، وهو أن تردها إلى جوفها أو تخرجها من جوفها لتملأ فاها، فلما كانت الزواجر والمواعظ في هذه الخطبة مرددة من أولها إلى آخرها شبهها بالناقة التي تقصع الجرة. ويجوز أن تسمى القاصعة لأنها كالقاتلة لإبليس وأتباعه من أهل العصبية، من قولهم: قصعت القملة إذا هشمتها وقتلتها. ويجوز أن تسمى القاصعة لأن المستمع لها المعتبر بها يذهب كبره ونخوته، فيكون من قولهم: قصع الماء عطشه، أي أذهبه، وسكنه.
شرح نهج البلاغة - ج 13 / ص 128.
(١٠٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 98 99 100 101 102 103 104 105 106 107 108 ... » »»