التاريخ وحركة التقدم البشري ونظرة الإسلام - الشيخ محمد مهدي شمس الدين - الصفحة ١٠٢
سنن الجبارين؟ أين الذين ساروا بالجيوش، وهزموا بالألوف، وعسكروا العساكر، ومدنوا المدائن؟ 1.
* لقد كان الوضع الداخلي لمجتمع الإمام أثناء حكمه العاصف يقتضيه أن يستعين بالتاريخ ليواجه ما كان يتردى فيه هذا المجتمع - في العراق بوجه خاص - من انقسامات قبلية، ومواقف عنصرية، وتسلط لرؤساء المجموعات القبلية على قبائلهم، وافتتان كثير من النابهين في المجتمع والقياديين في المجموعات القبلية بالسخاء الذي كانوا يتسامعون به عن معاوية بالنسبة إلى أنصاره السياسيين... وكان يرى ببصيرته النافذة أن هذه الطريق تؤدي بالمجتمع إلى الكارثة: ستنهكه النزاعات الداخلية، وتخلخل بنيانه وتذهب بتماسكه، وتدفع بقياداته إلى خيانة مجتمعها والارتماء في أحضان الحكم الأموي الاستبدادي في سوريا، وتفقد العراق دوره القيادي في دولة الخلافة، فتجعله تابعا صغيرا للشام.
وكان الإمام علي يواجه هذا الخطر بشتى الأساليب، وعلى مختلف المستويات.
ومن الأساليب التي استعملها على المستوى الشعبي أسلوب التنظير بالتاريخ لحال مجتمعه، عاملا على أن يكون لدى الناس العاديين وعيا تاريخيا، ورؤية للحاضر واقعية تدرك ما فيه من خطورة وإحساسا بمخاطر الممارسات التي تسود المجتمع... كل ذلك لأجل أن يبعث في نفوسهم وعقولهم الحذر والتبصر حين تعرض عليهم خيارات سببت للأمم الماضية نكبات أضعفتها أو حطمتها.
ومن الأمور الهامة التي يجب التنبيه عليها أن الإمام في تصويره لانحطاط الأمم ومصارع القرون لا يرد ذلك إلى أسباب غيبية، وإنما يعرض أسبابا موضوعية لهذا الانحطاط كما سنرى.

(1) نهج البلاغة: رقم الخطبة 182.
(١٠٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 97 98 99 100 101 102 103 104 105 106 107 ... » »»