التاريخ وحركة التقدم البشري ونظرة الإسلام - الشيخ محمد مهدي شمس الدين - الصفحة ٩٧
الشكل الخارجي.
لقد عادت إلى الظهور والفاعلية تلك القيم والمثل الجاهلية القديمة التي كانت تقود حركة التاريخ في المجتمع العربي وترسم ملامح هذا المجتمع وتوجه خطاه قبل بعثة الرسول الأكرم وانتصار الإسلام.
وقد رأى أمير المؤمنين علي هذه القيم البائدة العائدة من خلال رصده للظواهر الجديدة التي تبدو في حركة الجماعات داخل المجتمع الإسلامي، وحركة القيادات التي توجه هذه الجماعات سرا وعلانية.
وقد رأى مع ذلك الأفاعيل التي ستنجم عن هذه الحركة الرجعية للتاريخ في الإسلام، والمآسي الكبرى التي ستنزل بالمسلم فردا وجماعة ومجتمعا ودولة ومؤسسات نتيجة لانبعاث هذه الروح الشريرة من جديد.
قال عليه السلام:
ذمتي بما أقول رهينة 1 وأنا به زعيم 2. إن من صرحت له العبر عما بين يديه من المثلات 3 حجزته التقوى عن تقحم الشبهات 4، ألا وإن بليتكم قد عادت كهيئتها 5 يوم بعث الله نبيه صلى الله عليه وسلم.
والذي بعثه بالحق لتبلبلن 6 بلبلة، ولتغربلن 7 غربلة، ولتساطن سوط القدر 8 حتى يعود أسفلكم أعلاكم، وأعلاكم أسفلكم... 9.

(١) رهينة: من الرهن. جعل ذمته رهنا على ما يقول.
(٢) زعيم: كفيل بصدق ما يقول.
(٣) العبر: ما أصاب الناس من مثلات عقوبات إذا دعاها الإنسان على سبيل الاعتبار، فيتعظ بتجربة الذين أصابتهم العقوبات من قبله.
(4) الشبهات: الأفعال والمواقف الغامضة التي لم يبت في الشرع الرخصة في فعلها.
يريد أن العبرة بالماضين تحجر الإنسان عن الوقوع فيما وقعوا فيه من أخطاء.
(5) رجعت البلية كما كانت في الماضي الجاهلي.
(6) البلبلة: الإختلاط، كناية عن الأزمات الاجتماعية والثورات.
(7) الغربلة: من الغربال: يريد أن التجارب الآتية ستميز المواقف، وتكشف الأشخاص على حقيقتهم.
(8) السوط: الخلط - سوط القدر: كما تمزج مواد الطبخ في القدر، وتختلط وتغلي سيكون المجتمع نتيجة للثورات والأزمات الاجتماعية.
(9) نهج البلاغة - رقم الخطبة 16.
(٩٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 91 92 93 95 96 97 98 99 100 101 102 ... » »»