ولكن الحال تغير بعد ظهور الإسلام تغيرا كاملا.
إن القرآن الكريم والسنة الشريفة قد كشفا للعربي تدريجا عن عمقه في الزمان باعتباره مسلما. وغدا القرآن والسنة يغذيان على مهل وعي المسلم بعمقه التاريخي من خلال القصص التي تؤرخ للأمم الماضية، وأنبيائها، ومواقفها منهم باعتبارهم أنبياء، وحالات ازدهارها، وانحطاطها، وفنائها.
ومن خلال هذا الوعي أدرك المسلم أنه بإسلامه، وجهاده اليومي - بالسيف والكلمة - في داخل الجماعة الإسلامية التي تبني نفسها بعين الله وعلى يد رسول الله، وفي مواجهة المشركين... أدرك بوضوح كامل أنه بعمله اليومي هذا يصنع تاريخا موصولا بما وعاه من تاريخ الأمم الماضية كما تعلمه من الكتاب والسنة. وهكذا وجد الوعي التاريخ لدى الإنسان المسلم.
* وللتاريخ وظيفة تتعدى شعورنا بالاستمرار والديمومة. وهذه الوظيفة تربوية أخلاقية.
لا يعني هذا أن التاريخ يتحول إلى مادة وعظية فقط، فإن البحث والنقد غرضان من أغراض التاريخ بلا شك، ولكن الوظيفة النهائية بعدهما هي، كما قلنا، تربوية أخلاقية.
وهذه الوظيفة تستمد معالمها وطبيعتها من طبيعة النهج الذي تسلكه الأمة في بناء نفسها، ومن طبيعة الدور الذي تعد نفسها للقيام به في محيطها الإقليمي أو على المستوى العالمي، ولذا نرى أن كل أمة ذات نهج فكري مميز لشخصيتها تجعل التاريخ مادة بانية لهذا النهج الذي ارتضته.
وهذا لا يعني - بطبيعة الحال - أن يحرف التاريخ ليكون أداة دعائية وسياسية. إن الأمانة للحقيقة يجب أن تكون دائما مرعية، وإنما يعني أن التاريخ ليس مادة ترف فكري وتسلية. إنه مادة شديدة الخطورة إذا تولى استعمالها في الشأن العام رجال لا يقيمون للأخلاق وزنا ولا تحركهم روح رسالية، وأجهزة كذلك... رجال وأجهزة يحركهم التعصب والغرور القومي والعنصري... في هذه الحالة قد يوجه التاريخ