التاريخ وحركة التقدم البشري ونظرة الإسلام - الشيخ محمد مهدي شمس الدين - الصفحة ٨٤
وثمة نصوص في نهج البلاغة تحدث فيها الإمام عن حالة العرب بالنسبة إلى تأثير النبوة في أوضاعهم الحياتية والمعنوية.
ففي النص التالي صور أمير المؤمنين حالة المجتمع العربي الجاهلي عشية بعثة النبي محمد (ص)، في جميع وجوه حياته التي كان عليها من النواحي الروحية والاجتماعية والأخلاقية. قال عليه السلام:
إن الله بعث محمدا (ص) نذيرا للعالمين، وأمينا على التنزيل، وأنتم معشر العرب على شر دين وفي شر دار منيخون 1 بين حجارة خشن وحيات صم 2 تشربون الكدر، وتأكلون الجشب 3، وتسفكون دماءكم وتقطعون أرحامكم، الأصنام فيكم منصوبة والآثام بكم معصوبة 54.
إنهم كانوا على شر دين.
كانت الأصنام فيهم منصوبة يتوجهون إليها بالعبادة والضراعة، كانوا، إذن، وثنيين، وكانت وثنيتهم، التي استعاروها من هنا وهناك، بدائية متخلفة خالية من الجمال الفني والذوق إضافة إلى خلوها، بطبيعة الحال، من كل مضمون روحي سليم وكانوا في شر دار.
كانت دارهم البادية القاحلة المجدبة التي تفرض عليهم شروط حياة صعبة قاسية جعلت من حياتهم سلسلة من الأخطار والمتاعب وألوان الحرمان.
وكانوا - بسبب ما هم عليه من إفلاس روحي لأنهم على شر دين، ومن تخلف في حياتهم المادية لأنهم في شر دار -... بسبب هذا وذاك - كانوا على شر حال في حياتهم الاجتماعية وعلاقاتهم الإنسانية، فهم يقطعون أرحامهم، وهم يسفكون دماءهم.

(1) منيخون: مقيمون.
(2) خشن: من الخشونة. والحيات الصم أخبث أنواع الحيات. كنى عن صعوبة مناخ البادية وقساوة العيش فيها.
(3) الكدر: الماء الذي يخالطه الطين وغيره، والجشب من الطعام: الغليظ الخشن كناية عن بؤس حياتهم وفقرها، وانعدام وسائل الراحة فيها.
(4) معصوبة: مشدودة، كناية عن استمرارهم على المعصية.
5 - نهج البلاغة: رقم الخطبة 26.
(٨٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 79 80 81 82 83 84 85 86 87 88 89 ... » »»