المرحلة من نمو الإنسان قضت حكمة الله ورحمته بإرسال الأنبياء حاملين إلى الإنسانية منهاج هدايتها الذي يخرجها من عهد الغريزة إلى عهد العقل ومن منطق الصراع الذي مرجعه الغريزة والقوة إلى منطق النظام ومرجعية القانون.
وقد حقق الإنسان، بإشراق عهد النبوات، قفزة نوعية عظيمة وحاسمة في تطوره نحو الأعلى وتكامله، فقد خرج المجتمع البشري بالنبوات عن كونه تكوينا حيوانيا - بيولوجيا إلى كونه ظاهرة عقلية - روحية.. لقد عقلنت النبوات المجتمع الإنساني وروحنته.
وحققت النبوات للإنسان مشروع وحدة أرقى من وحدته الدموية البيولوجية التي كانت سائدة قبل عهد الخلافات والإنقسامات والصراع... وهي الوحدة القائمة على أساس المعتقد، وبذلك تطورت العلاقات الإنسانية مرتفعة من علاقات المادة إلى علاقات المعاني... بعهد النبوات بدأ عهد الإنسان...
وتمضي الآية الكريمة، بعد التأريخ لهذه المرحلة، في بيان أن الاختلافات التي نشأت في النوع الإنساني، بعد إشراق عهد النبوات، غدت اختلافات في المعنى اختلافات في الدين والمعتقد، إذ أن أسباب الصراع والبغي من بعض الناس على بعض، واستغلال الأقوياء للضعفاء لم تلغ بالدين الذي جاءت به النبوات، بل استمرت وتنوعت، ولكن المرجع لم يعد الغريزة وإنما غدا القانون هو المرجع، وإذا كان من المستحيل على الإنسانية أن تجد قاعدة لوحدتها وتعاونها عن طريق الغرائز، وعلاقات المادة، فإن من الممكن لها أن تجد قاعدة ثابتة لوحدتها وتعاونها وتكاملها عن طريق القانون الذي يتضمنه الدين وغير القانون من تربية الدين وإغنائه لروحية الإنسان وأخلاقيته، وذلك حين يستبدل الإنسان علاقات المادة بعلاقات المعنى. وعدم بلوغ الإنسانية إلى هذا المرتقى ليس ناشئا، في عهد النبوات، من فقدان الوسائل، وإنما هو ناشئ من سوء الاختيار البشري، ومن سوء استخدام الحرية المعطاة.
لقد أفضنا في الحديث عن بعض جوانب الآية الكريمة لنضئ بها الفكرة التي عبر عنها الإمام عليه السلام في شأن النبوات وبداية العصر التاريخي للإنسان إذ قال: